الجمعة 22 نونبر 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

كريان سنطرال: قصة أشهر حي صفيحي في المغرب

حسن البصري الاثنين 14 مارس 2016

عرف هذا الحي الصفيحي بإسم كريان «سنطرا» بعد ابتلاع الحرف الأخير من كلمة «سنطرال» التي تعني المركزي، قبل أن يحمل، مع بزوغ فجر الاستقلال، إسم كريان الحي المحمدي ويختفي "المركزي" في زحمة الأحداث التاريخية التي شهدتها المنطقة الأكثر استقطابا للبسطاء في مدينة الدار البيضاء.

قصة هذا الحي لا تختلف كثيرا عن أسباب نزول كريانات الدار البيضاء في عهد الحماية الفرنسية، ككريان كارلوطي وكاريان شنيدر وكاريان ابن امسيك، فجميع هذه التجمعات السكنية ولدت من رحم المقالع الحجرية التي كانت منتشرة في مدينة الدار البيضاء، والتي لجأ إليها المستعمر في بناء أولى مشاريع إعمار المدينة الخارجة من حالة دمار بعد غارة غشت 1907 الرهيبة.

وترجع أسباب تسمية هذا الكريان بـ«سنطرال» إلى وجوده، في بادئ الأمر، بالقرب من مقر الشركة المركزية للبخار بالدار البيضاء، والتي لجأ كثير من سكان الكاريان الأولون إلى فضلاتها من الورق المقوى ومواد الصفيح والخشب لبناء براريك متحركة، تحولت إلى حي صفيحي قائم الذات، لاسيما بعد إصدار بلدية الدار البيضاء قرارا سنة 1936 يمنع بناء الدور الصفيحية في الحي الأوربي ومحيط المدينة ودرب السلطان، الشيء الذي حتم على البسطاء والطبقة العاملة بالخصوص البحث عن ملاذ صفيحي غير بعيد عن المنطقة الصناعية لعين السبع وروش نوار.

يقول الباحث نجيب تقي في كتابه «جوانب من ذاكرة كريان سنطرال- الحي المحمدي بالدار البيضاء في القرن العشرين»، إن الكريان سيعرف تضخما كبيرا بسبب الهجرة الكثيفة التي اعقبت المجاعة والجفاف وانتشار الأوبئة التي أصابت البلاد في هذه السنة.

"ستتفرع عن سانترا، رغم المعارضة الشديدة لمصالح الحماية، كريانات جديدة ستحمل أسماء ملاك أراضيها، مثل كريان بوعزة وكريان خليفة وكريان ولد لحسن وأسماء مكتري تلك الأراضي، كما هو الشأن بالنسبة لكريان الحايط والكمرة وجانكير.

هذا إضافة إلى استعارت بعض الكاريانات لأسماء الأماكن التي نبتت فوقها كما هو حال كريان الكريمات والرحبة الجير، قبل أن تظهر مع مرور الزمن كريانات ترمز لمرارة عيش القاطنين مثل كريان لاحونا لا فران لا طاحونة، وكريان حاوزونا بلا ما يعلمونا، إضافة لأسماء مستوحاة من المصانع المتواجدة في المنطقة، ككاريان زرابة وتروشطي ثم الشابو التي كانت متخصصة في صناعة الإسمنت.

وارتبطت بأسماء أشخاص منحدرين من الزوايا الصوفية ككريان بوهالة، كما حمل كاريان فرعي إسم كريان عيد العرش لأنه شهد حريقا تزامنا مع احتفالات الشعب بعيد العرش".

وأجمعت الروايات الشفوية والكتابات التي تناولت تاريخ هذا الحي، على تنقله من مكان إلى آخر، إذ نقلته السلطات الاستعمارية على المنطقة الفاصلة بين عين البرجة وعين السبع، قبل ان تقوم الشركات التي يشتغل فيها أغلب سكان الحي الصفيحي ببناء مساكن وظيفية لعمالها، على غرار الشركة الشريفة للحاضرة العمالية التي بنت ما يعرف بحي سوسيكا، التي قررت بناء 1600 مسكنا لكنها اكتفت بربع هذا الرقم، منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية، وشركة كوسيمار التي بنت قرية كوسوما لمستخدميها والتي بلغت 325 مسكنا، إضافة لقرية كامو ثم الشابو.

من جهته خص الباحث ادريس فوقار الحيَ المحمدي وخاصة كريان سنطرال بدراسة بدراسة سوسيولوجية، عنوانها "الحي المحمدي رافد من روافد الثقافة الشعبية"، نشرتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية لعين الشق، تضمنت استنطاقا لذاكرة أكبر تجمع صفيحي في تلك الحقبة التاريخية، مشيرا إلى أولى القبائل النازحة إلى هذا التجمع السكني كالشاوية ودكالة وعبدة والرحامنة ثم الشياضمة.

يقول فوقار: "كانت هذه التجمعات تضم عددا كبيرا من المهاجرين من البوادي والنازحين من المناطق التي كانت تصاب بين الفينة والأخرى بأزمات اقتصادية، خاصة في الفترات العصيبة التي مر بها المغرب، ما بين الحربين العالميتين. وقد كان أغلب هؤلاء النازحين يعمدون بعد حصولهم على العمل واستقرارهم في بيت أو كوخ إلى استقدام أهلهم وأقاربهم من نفس المنطقة، مما شكل تجمعات تكاد تكون أحيانا قبلية أو عشيرية تتبع في حياتها اليومية نفس الشكل ونفس التعامل، وتسير على الطقوس التي كانت تعيش وفقها في المنطقة التي نزحت منها، بل إن بعض المجموعات الصفيحية كانت تتكون من عائلات متجانسة متحدرة من نفس الدوار في البادية، مما كان يساعد على قيام أسلوب يتشابه في الحياة، إن لم يكن أسلوبا واحدا ينطلق من نفس المعطيات، ويتطلب نفس الحاجيات لقيامه".

وارتبط الحي المحمدي برموز المقاومة في شخص عبد الرحمن اليوسفي ومحمد العبدي، كما ارتبط بالثراث الشعبي الغنائي من خلال مجموعة ناس الغيوان ولمشاهب وتكدة، وأيضا بمواهب الكرة التي اجتمعت تحت لواء الاتحاد البيضاوي ورمزه العربي الزاولي.

وتجمع الروايات على أن إسم الحي المحمدي، هو كناية على حي السلطان محمد الخامس الذي زار الحي مرارا، إلى درجة أن السلطات الاستعمارية كانت تلقبه بملك كريان سنطرال، قبل أن يحمل اللقب بشكل رسمي مباشرة بعد الحصول على الاستقلال.

حسن البصري/ فلاش بريـس