الجمعة 22 نونبر 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

الإيكولوجيا العمرانية وعلاقات الجوار والهاجس الأمني: مدينة الدار البيضاء نموذجاً

عبد الرحمان رشيق الاثنين 2 دجنبر 2019

عبد الرحمان رشيق/ باحث في علم الاجتماع الحضري، المركز المغربي للعلوم الاجتماعية، جامعة الحسن الثاني

تُختزل المدينة ببناء المساكن والطرقات والمرافق الاجتماعية والاقتصادية فحسب، بل هي كذلك بناء للعلاقات الاجتماعية بين السكان. فما الذي أنتجه على هذا الصعيد الإنجاز المتمثل بالتخلص من 55 مدينة صفيح في المغرب من أصل 85 مدينة، وما هي أشكال التهميش الجديدة الناشئة عن نقل السكان من "الدروب"إلى البنايات العامودية؟.

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل طبيعة العلاقة بين السياسة العمومية والإيكولوجيا العمرانية والعلاقات الاجتماعية في بعض أحياء مدينة الدار البيضاء،العاصمة الاقتصادية للمغرب. فترحيل سكان أحياء الصفيح والمدينة العتيقة من بيئة عمرانية تعزز العلاقات الاجتماعية إلى أشكال عمرانية جديدة (الشقق في عمارات) تهيمن عليها البنايات الجماعية، أثرت سلباً على الروابط الاجتماعية.

الهاجس الأمني وهيمنة القيم الفردانية أثرتا بدورهما على نوعية الأشكال العمرانية الجديدة. وفي إطار انكماش الأسرة على ذاتها في المدن الكبرى، نلاحظ تطابقاً بين الانتفاضات العنيفة والدموية والإنتاج المتزايد لما يسمى بـ"الجيوب السكنية المغلقة".

مقدمة

كان معدل التحضر في المغرب ضعيفاً في أوائل القرن العشرين، حيث كان يمثل حوالي 8 في المئة قبل أن تفرض الإدارة الاستعمارية سيطرتها على البلاد (1912-1956). ثم انتقلت نسبة التمدن في ظرف خمسين سنة (1960-2014) من 29 في المئة إلى أكثر من 60 في المئة، وهي قد تفوق 70 في المئة في أفق سنة 2030 حسب الإسقاطات الرسمية للمندوبية السامية للتخطيط. ويمثل سكان المدن السبع الكبرى أكثر من 41 في المئة من مجموع السكان الحضريين، و 25 في المئة من مجموع السكان (1) لسنة 2014.


نسبة التحضر بين سنة 1960 و 2029

تشير الإحصاءات الرسمية أن النمو الديموغرافي في المدن الكبرى، كالدار البيضاء، يتم أساساً عبر نموها الطبيعي، ولا يعتمد على الهجرة القروية. فهذه التحولات الديموغرافية ونتائجها الاجتماعية والعمرانية أنتجت مجتمعاً حضرياً بثقافة وقيم وأنماط سلوكية جديدة،تتميز بالفردانية.وهي لصيقة بالنظام الرأسمالي الجديد الذي فرضته الإدارة الاستعمارية، وكذلك هي نتيجة للشكل الإيكولوجي للتكتلات البشرية الكبيرة في مجال محدود والذي يسمى "الميتربول" أو "الميغابول".

فمنذ أوائل القرن العشرين، أدى التدخل الاستعماري وفرض نظام اقتصادي جديد إلى صيرورة تمدن كثيف وسريع (هجرة سكان الأرياف وتمركزها في المدن). لكن لم تسجل إعادة إنتاج للتكتلات الريفية أو القبلية في المجال الحضري. وكانت التجمعات المجالية تقوم دائماً على وحدات صغيرة إلى حد ما.

وحتى بداية الثمانينات الفائتة، كانت المدن تنمو بصفة تلقائية، وتخضع نظرياً لتصاميم أُعدت في عهد الاستعمار (سنوات 1952-1955).

المدينة رهان سياسي

انطلقت السياسة العمرانية مع بداية السبعينات الفائتة،في إطار التصميم الاقتصادي والاجتماعي الخماسي (1973-1977). ونظراً لقلة التجربة والكفاءة وقلة الأطر وضعف المصادر المالية، كان تدخل الدولة بطيئاً ويقتصر على إعداد برامج سكنية للفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود.

فلم تحصل بلورة لتصميم شامل للمدن على المدى القريب ولا على المدى المتوسط والبعيد.

لكن المدينة أصبحت فجأة، في سنة 1981، ولأول مرة، رهاناً سياسياً كبيراً، حيث تميزت تلك السنة بالتمردات الاجتماعية بعد دعوة النقابات إلى الإضراب العام الذي نتج عنه جوٌّ متوترٌ داخل المدن الكبرى والمتوسطة والصغيرة (2).

أدت هذه الاحتجاجات الاجتماعية إلى زعزعة المسؤولين السياسيين والرأي العام الوطني، بفعل نتائجها العنيفة بل والمميتة، حيث خلّف التدخل العسكري مئات الضحايا.

بعد أحداث التمرد مباشرة، بدأ التفكير في تدبير سياسي جديد للمجتمع الحضري، يقوم على الكف عن استعمال العنف الجسدي وحده وسيلةً لقمع المجتمع (الاعتقال، الترهيب، التصفية الجسدية، السجن بسبب ارتكاب جنحة التعبير عن الرأي، عزل العلماء والخطباء - أي الوعّاظ - مصادرة الجرائد، توقيف المجلات...). وبدأ إعداد توجهات "عصرية" جديدة.

تتمثل هذه التوجهات الجديدة، أولاً، في ضمان أفضل مراقبة للسكان، بفضل أدوات التصميم العمراني ( المخطط المديري للتهيئة العمرانية 1981-1984، وتصاميم التهيئة المخصصة للجماعات في 1984-1989).

بدأت الدولة في تطبيق سياسة مكثفة للسكن الاجتماعي، على أمل تحقيق صيرورة الإدماج الاجتماعي لساكنة اعتبرت "فئات خطيرة" (3) على الوضع العام. ففي الدار البيضاء وفي سنوات 1983-1987 تم بناء أكثر من 9.000وحدة سكنية بسرعة فائقة، لاستقبال أسر مدن الصفيح من حي بن مسيك الذي كان يأوي لوحده أكثر من 80.000 نسمة سنة 1982.

أصبحت "المدينة" في المغرب رهاناً سياسياً كبيراً، حدث ذلك في العام 1981 الذي تميز بالتمردات الاجتماعية، بعد دعوة النقابات إلى الإضراب العام.

أدت هذه الاحتجاجات إلى زعزعة المسؤولين السياسيين والرأي العام الوطني، بفعل نتائجها العنيفة، حيث خلّف التدخل العسكري مئات الضحايا.

كانت تصاميم التهيئة العمرانية تشن حملة ضارية على الأحياء التي اعتبرت بؤراً للانفجار الاجتماعي العنيف. فوضع برنامج لهدم عدد كثير من المنازل لضمان تقليص الكثافة الديموغرافية، وتوسعة النسيج الحضري شديد الازدحام.

كانت الكثافة الديموغرافية وإمكان الرؤية في الفضاء الحضري من المعايير التي بررت مخطط تدخل الدولة في الأحياء التي وقعت فيها أحداث التمرد.

ترتب على هذا السياق السياسي السلطوي عدم إشراك مختلف المعنيين (المهندسين،المقاولين، ملاك الأراضي،السكان...) في إعداد الوثائق الجديدة للتعمير. حتى أصحاب ملكية الشقق السكنية لم يستطيعوا تنظيم احتجاج جماعي، مع أن مساكنهم الجديدة مهددة بالهدم لتحل محلها مرافق عمومية حسب توقعات مخطط التهيئة العمرانية لسنة 1987.

وهكذا صارت علاقات القرب المكاني (الجوار) بلا تأثير في تنظيم الاحتجاج الاجتماعي.

ضعف التحكم في صيرورة التمدن

إن الدولة بكل قطاعاتها لا تلعب دوراً فعالاً في تصميم المدن، وفي ضبط صيرورة التمدن، وفي توجيه فعلي (4) لحركة التمدن .

فالدينامية الداخلية للمدن تتجاوز الدولة. وقد تعززت العشوائيات في المدن الكبرى بعد العام 2011 التي صادف "الربيع العربي"، حيث التزمت أجهزة الدولة، لأسباب سياسية وأمنية،بعدم التدخل بعنف تجاه الموطنين المخالفين للقوانين في المدن. تنامى البناء العشوائي بصفة متزايدة وتمّ احتلال المجال العام بأسواق عشوائية للخضار والفواكه والسمك، وامتلأت بعض الشوارع بـ"الفرّاشة".

ونسوق كمثال شارع مديونة، وهو من أكبر الشوارع في مدينة الدار البيضاء الذي أصبح شارعاً لـ"الفرّاشة" وليس لمرور السيارات. وجب الانتظار أكثر من سنة، يعني بعد تقلص الموجة الاجتماعية، لكي تتمكن السلطات المحلية من تدارك الوضع.

انتشار "الفرّاشة" لم يقتصر على احتلال الأحياء الشعبية، فقد تحدى البائعون "المتجولون" السلطات المحلية بفرض وجود بضائعهم في شوارع وسط المدينة.

شنت تصاميم التهيئة العمرانية حملة ضارية على الأحياء التي اعتُبرت بؤراً للانفجار الاجتماعي العنيف. فوضِع برنامج لهدم عدد كبير من المنازل لضمان تقليص الكثافة الديموغرافية، وتوسعة النسيج الحضري شديد الازدحام.

كانت الكثافة الديموغرافية وإمكان الرؤية في الفضاء الحضري من المعايير التي بررت مخطط تدخل الدولة في الأحياء التي وقعت فيها أحداث التمرد.

وعلى الرغم من وجود تصاميم التهيئة، فالدولة لا تزال متجاوَزة في ما يخص التحكم في صيرورة التعمير، تحاول مصاحبة حركة التمدن بإنجاز المرافق وبالقضاء على مدن الصفيح وإعادة هيكلة الأحياء الكبيرة، وتدمير الأبنية العشوائية الأخرى. لقد فككت السلطات السكن الصفيحي القديم لتجد نفسها أمام عشوائيات جديدة سواء في السكن أو في العمل.

نحو القضاء على السكن العشوائي؟

في إطار سياستها العمومية، أطلقت الدولة برنامج "مدن بدون صفيح" في العام 2004 بغلاف مالي يناهز 32 مليار درهم من أجل القضاء كلياً على مدن الصفيح في المدن، وتمكين 400388 ألف أسرة معنية بهذه الظاهرة من الولوج للسكن اللائق.

وفي دجنبر 2015، تم الإعلان عن 55 مدينة بدون صفيح من بين 85 مدينة.

وبلغت نسبة الأسر المقيمة في مدن الصفيح التي حصلت على سكن لائق، أو المعنية بمشاريع يجري حالياً تنفيذها، 82 في المئة من هؤلاء السكان.

ولقد كشف البحث الوطني (5) لتقييم آثار برامج محاربة السكن غير اللائق (السكن العشوائي) "عن تحسن جلي في كل المؤشرات المتعلقة بظروف عيش الأسر المستفيدة من برنامج مدن بدون صفيح، سواء في الولوج إلى التعليم أو الصحة أو الخدمات الاجتماعية والتجهيزات الأساسية وتحسين أوضاع الأطفال".

تعززت العشوائيات في المدن الكبرى بعد العام 2011 حيث التزمت أجهزة الدولة، لأسباب سياسية وأمنية، بعدم التدخل بعنف تجاه الموطنين المخالفين للقوانين في المدن. تنامى البناء العشوائي بصفة متزايدة، وتمّ احتلال المجال العام بأسواق عشوائية للخضار والفواكه والسمك، وامتلأت بعض الشوارع بـ"الفرّاشة".

كما سجل البحث تراجعاً في معدل الفقر الذي انتقل من 48,7 في المئة من الأسر في مدن الصفيح سابقاً إلى 28,3 في المئة الآن، فضلاً عن انخفاض محسوس في معدل البطالة الذي انتقل من 27,3 إلى 23,5 في المئة، ونسبة مرتفعة لارتياد المدرسة أو مركز التكوين المهني تتجاوز 96 في المئة بالنسبة للأطفال والشباب ما بين 5 و14 سنة.

وإذا سلّمنا بالتقييم الرسمي الإيجابي، فإن التقرير لا يتحدث عن التهميش المجالي لهذه الفئات الاجتماعية الهشة،كما أنه لا يهتم بطبيعة العلاقات الاجتماعية الجديدة التي تنتجها سياسة السكن المعتمدة.

فقد ظهرت علاقات اجتماعية جديدةخاصة مع النمو الديموغرافي وتوسع المدن وتزايد وتنوع المشاكل الحضريّة (ترحيل قسري للسكان القاطنين في الأحياء العشوائية إلى الضواحي، قلة فرص الشغل، بطالة، أزمة سكن، جنوح، طلاق، إحساس بغياب الأمن...)، تتناسب مع عملية التمييز الاجتماعي والفصل المجالي الصارخ والمتزايد.

إذ يشجع هذا الوضع الاجتماعي الجديد انتشار قيم جديدة مرتبطة بظهور الفرد والمنافسة المادية، ومن ثم خلق علاقات اجتماعية جديدة تطبعها الحيطة والحذر والتقوقع على الذات.

فلم يعد الدرب (الحي) ذلك الفضاء الذي يترجم نوعاً من الجماعة، أي وحدة ترابية تُعَرَّف من خلال الروابط الاجتماعية المتينة.

فقد كانت التمثلات الجماعية (من خلال الشهادات الميدانية)تحمل رائحة النوستالجيا والبكاء والحنين إلى ماض ولّى.الكل يتذكر الفترة الزمنية التي كانت تسودها علاقات اجتماعية ودينية متجانسة ومثاليّة و"أن باب الدخول إلى بيتي يبقى مفتوحا ليل نهار".

الآن، يرمز باب المسكن إلى حدود لا يجب تجاوزها.

فهو يحدد مجالاً مصغّراً، ويصبح عامل انفصال وفضاء مأهولاً يحمي الحميمية الأسرية. ويُعَبِّرُ باب الدخول المغلق على الدوام عن رغبة في إقصاء كل غريب عن الأسرة.

كما تكرر مصطلح التيقار(يعني المسافة) في كلام المستَجوَبين.

على غرار ذلك الأرمل السبعيني والذي كان يسكن قديماً في المدينة العتيقة، والذي صرح قائلاً: "كان يسود في زماننا الاحترام والتضامن. فإذا لم تقم يوماً من الأيام بتحضير عشائك، يدعوك جارك لتشاركه طعامه.

واليوم، يمكن لجارك أن يحضِّر المشوي أمامك، وأنت تكتفي باستنشاق الروائح.. جارك لا يكترث لوجودك. لقد صارت آداب العيش آخذة في الزوال تدريجياً مع هذا الجيل".

ظهرت علاقات اجتماعية جديدة، خاصة مع النمو الديموغرافي وتوسع المدن وتزايد وتنوع المشاكل الحضرية، تتناسب مع عملية التمييز الاجتماعي والفصل المجالي الصارخ والمتزايد. لم يعد "الدرب" (الحي) ذلك الفضاء الذي يترجم نوعاً من الجماعة، أي وحدة ترابية تُعَرَّف من خلال الروابط الاجتماعية المتينة.

لا تُختزل المدينة ببناء السكن والطرقات والمرافق الاجتماعية والاقتصادية فحسب،وإنما هي كذلك بناء العلاقات الاجتماعية بين السكان.

فظواهر التحضر تمثّل تغيراً جذرياً في النمط الكلي للحياة الاجتماعية. فكلما زاد عدد السكان، وارتفعت معدلات كثافتهم، عظم تباينهم وعدم تجانسهم.

ويترجم ذلك باختفاء هيمنة الروابط القرابية، وضعف روابط الجوار وانهيار الأسس التقليدية للتماسك الاجتماعي، وتصبح العلاقات الاجتماعية علاقات غير شخصية.

يشير البحث الوطني حول الرابطة الاجتماعية (6) الذي قام به المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية (الرباط) إلى ضعف علاقات الجوار وتفشي قِيم ترتبط بالانكفاء على الذات، وهذا لا يخص المدن الكبرى فحسب.

نلاحظ في حياتنا اليومية الميل الواضح للأسر، وبشكل متزايد، نحو البحث عن "العزلة الذاتية". فالمنطق الاجتماعي السائد هو إقامة مسافة (التيقار) مع الجيران أو مع الآخر بصفة عامة.

هذه المسافة مع الجيران فرضتها الإيكولوجيا العمرانية كقيمة عند السكان. وحين يحاول الفرد التعرف أو الانفتاح على الآخر من خلال بعض الأسئلة التي تبدو عادية، يعني غير الحميمية، يصبح من الناس الفضوليين. فالمجهول يفرض عدم الثقة، وبالتالي خلق مسافة بين الجيران.

علاقات التضامن والتآزر

بمقابل هذه النزعة الفردانية التي تهيمن على العلاقات الاجتماعية في المدن الكبرى والتي تؤدي إلى الانكماش على الأسرة، إلا أن جميع الأسر متفقة على أن الجيران عموماً متعاونون في وقت وفاة أحد الجيران أو معاناته من مرض خطير.

حينها يتعبأ أفراد الحي الساكنين في البنايات أو في شارع واحد من الأحياء الجديدة ليقوم بتحضير الطعام واستقبال المعزّين، ويعمل كذلك المجلس المحلي المنتخب على توفير خيام كبيرة لاستيعاب جيران وأقارب المتوَفى.

وقد يحدث أن يطفو على السطح فجأة تضامن مثالي بين الجيران عقب انهيار منزل أو بعد نشوب حريق أو فيضان أو بعد تدخل أجهزة الدولة لهدم المنازل "العشوائية". ففي انتظار النجدة، يذهب بعض الشباب إلى درجة المخاطرة بأرواحهم لإنقاذ جيرانهم. لكن وبمجرد أن يسدل الستار على الحادث المأساوي، تعود الحياة إلى سابق عهدها (7).

يتميز هذا النوع من التضامن الاجتماعي بسلوك تلقائي و"طبيعي". وهناك كذلك بعض جمعيات الأحياء التي تحاول خلق و تعزيز العلاقات الاجتماعية بين الجيران، لكن دورها يبقى محدوداً جداً.

خاتمة

إشكالية الرابط الاجتماعي غير موجودة في أدبيات الأحزاب السياسية. ولا يوجد لها أثر في النقاش أو الحوار العمومي، لا بين المهندسين المعماريين ولا داخل وزارة الإسكان أو السلطات المحلية أو في وسائل الإعلام.

فالاهتمام الرئيسي للحكومة يتمثل بإنجاز وبناء السكن الاقتصادي والقضاء على جميع أحياء الصفيح في المدن المغربية، بدون الأخذ بعين الاعتبار النتائج الاجتماعية والسياسية لتدخلاتها وطبيعة العلاقات الاجتماعية التي تؤسس لها في هذه المناطق الهامشية الجديدة.

في المقابل،كانت إشكالية الرابط الاجتماعي وأماكن العيش قد طرحت على مستوى عالي في مراكز القرار. فقد مول المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية بالرباط، سنة 2009-2011 وبمبادرة من المستشار الملكي مزيان بلفقيه بحثاً حول الرابط الاجتماعي على المستوى الوطني.وكذلك نظم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (وهي مؤسسة دستورية) ورشة حول أماكن العيش " Les lieux de vie ".

إن الانتقال من منظومة سياسية سلطوية أنتجت التمردات العنيفة في الثمانينيات إلى منظومة تسعى إلى "الانفتاح" على المجتمع،أفرز منذ نهاية التسعينيات أفعالاً جماعية جديدة (مظاهرات، وقفات، اعتصامات...)في المجال العام تتميز بالسلمية. يمكننا النظر إلى تنظيم اعتصام أو تظاهرة أو تجمّع عمومي... كفضاء جديد لخلق رابط اجتماعي أمام "برودة" العلاقات الاجتماعية في المدن الكبرى.