الجمعة 22 نونبر 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

فضاء اشطيبة : «خْلييْيفة» فكاهي «حلايقي» وزٌع الضحك بسخاء

بقلم:سعيد قاسمي الخميس 1 أكتوبر 2020

كتب سعيد قاسمي 

التعاليق التي توصلت بها عندما كتبت تدوينتين عن فضاء اشطيبة، كلها تستحضر اسم الفنان الكوميدي خْليييْفة رحمه الله، ما يعني أن هذه الشخصية، كانت تحظى باهتمام كبير من قبل كل الذين ارتبطوا بالحلقة في منطقة اشطيبة. ترى ما السر في امتلاك خْلييْيفة لمساحة مهمة في قلوب كل من استمتعوا بمستملحاته وطرائفه وطريقة غنائه ؟ وما السبب في احتفاظ أطفال الأمس ورجال اليوم بذكريات مازالت محفورة في عقولهم حتى الآن عن هذه الشخصية الفكاهية بامتياز ؟ 

كان خلييْيفة يكتفي بحلقة صغيرة الحجم، لكن منتوجه داخل هذا الفضاء الدائري كبير جدا، حيث كان يعزف على آلة الكمان (الكمنجة)وهو عزف لا أساس له ولا مقامات، يقول عنه خْلييْيفة عزف(مْلاوطْ) وعندما يجهد نفسه في الضرب على الكمنجة كيقطع الوترة

قوة خْلييْيفة لا يستمدها من الغناء، فغناؤه هو الآخر مْلاوطْ، لكنه كان يربط العزف بالكلام، حيث يختار أحد الحاضرين في الحلقة، ويجعل منه مونولوغا فكاهيا تتخلله وصلات عزف بدون نوتة، يستهله بعبارته المشهورة (انْتا شْتيكْ ما عاقلش). ومع ذلك، فقد اشتهر خليفة بأغاني من إنتاجه، وفي مقدمتها (بنتْ بريْطل) و (الموت)و( الطَّيراللّي في السْمَا هاكْ دي لَبْرا لكْريكرْ) كما اشتهر بأغنية (مْشيتْ البروج وتوضَّرتْ في النعناع ولقاوْني في البرَّاد). هو غناء عبارة عن كلام بدون لحن، ومع ذلك، تشعر وأنت تستمع إليه، أن نسيم الفرحة يتسلل إلى دواخلك، وأنك تستشعر لحظات سعادة كسراب تختفي بانتهاء الحلقة . 

اللباس الذي كان يرتديه خْلييْيفة، يوحي بالفقر والحرمان، سروال رث، حزامه من القنب، ينتعل نعلا بلاستيكيا في كل الفصول، ينصب حلقته، وينتظر ما يجود به المتحلقون حوله، وإذا لم ينفحوه ببعض الريالات، يتمدد على الأرض، ويضع دراجته الهوائية فوق جسمه النحيف ويقول لهم (تْفرْجُو فيَّا راني دايرْ كْسيدَة) أو يغادر الحلقة صارخا في الحاضرين 

(أنا غادي نْديرْ حلقة أخْرى وحتى واحد منكم مَايْجي عنْدي أنا عاقل عليكم معانْدْكومْ فلوس).

طرائف خْلييْيفة عديدة لا تحصى، لأنه كان يعتمد على العفوية في صناعة الضحك، وكان يستوحي الفرجة من الوضعية المعيشة في تلك اللحظة، وفوق هذا، كان يخلق السيناريوهات المضحكة حسبما يفرزه الوضع في الحلقة، وما يمليه المقام. إنه فن الضحك الخالص الذي يعتمد التلقائية في صنع الفرجة . 

مرت السنون، وبعد أن تجاوز عمري الأربعين سنة، قادتني الصدفة إلى سوق السبت الأسبوعي ( سْبيت طيطْ مليل) للتبضع رفقة صديقي بنور، فوجدنا خْلييْيفة قابعا في زاوية من مقهى شعبي، يتأبط كمنجته، ولا يلوي على شيئ. كان يبدو يقظا، لكن تستشعره نائما تحت الجفون، وجهه شاحب يختزن حزن الضعيف، وكتفاه فيهما انحناء، وعيناه الضيقتان تطلان من بين التجاعيد التي حفرها الزمن والحرمان. جلسنا بجانب هذا الرجل الذي أضحكنا في وقت كنا في حاجة إلى من يضحكنا، وبدا لنا حزينا، لكنه مازال قادرا على صناعة الضحك، استشعرنا وكأن وجوده أعاد إلينا جزءا من ماضينا كنا نبحث عنه من زمان . 

استحضرنا مع خْلييْيفة لحظات الاستمتاع بفن الحلقة في اشطيبة، هذا الفضاء الذي أطربني وأسعدني ذات زمان، 

ولقنني دروسا في الحياة لن يطويها النسيان .