التعادل الإيجابي يحسم مباراة «الديربي البيضاوي» بين الرجاء والوداد |
نشرة إنذارية: طقس حار مرتقب من السبت إلى الاثنين بعدد من مناطق المملكة |
«الديربي البيضاوي».. التشكيلة الأساسية للرجاء والوداد |
حافلات الدار البيضاء.. تغيير مؤقت في جزء من مسار الخط الرابط بين داوليز والسالمية |
رغم أنه بدون جمهور.. تعزيزات أمنية بملعب «العربي الزاولي» لتأمين «الديربي البيضاوي» |
«أرشيفات الدار البيضاء».. معرض يرصد تحوّلات ذاكرة المدينة وطرازها الكولونيالي | ||
| ||
أشرف الحساني/عن:الجزيرة لا تعود شهرة مدينة الدار البيضاء إلى كونها عاصمة المغرب الاقتصادية الكبرى قديمًا وحديثًا، ولا إلى موقعها الجغرافي المُطل على المحيط الأطلسي، ولا حتى إلى الميناء البحري الذي اشتهرت به المدينة، بل اكتسبت شهرتها أكثر داخل العالم العربي بفعل رياح التجديد والتحديث والحداثة التي شهدتها هذه المدينة بعد احتلال فرنسا لها سنة 1907، مما جعلها محطّة بارزة ومركزية في تاريخ المغرب الحديث والمعاصر.
وفي خضم هذا التاريخ البصري الغني الذي تعبق به مدينة "الدار البيضاء"، وبمُناسبة اليوم الوطني للأرشيف نظّمت"مؤسّسة أرشيف المغرب" بمدينة الرباط معرض استرداد بعنوان "أرشيفات الدار البيضاء" يستمر من 30 نونبر 2020 إلى 31 مارس 2021، ويجمع داخل رواقه كثيرا من الصور الفوتوغرافية والوثائق التاريخيّة والتقارير المخزنية والمخطوطات والخرائط والظهائر ونُسخا من قرارات وزارية صدرت في النصف الأول من القرن الـ20 مُوزعة بين الذاكرة العمارية والحياة الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية. دلالات وترصد هذه الصور أبرز اللحظات العسيرة التي مرّت بها المدينة منذ أواخر القرن الـ19 إلى بداية القرن الـ20، انطلاقًا من الشوارع والطرق والساحات والميناء والسكك الحديدية ومحطة الطيران العسكري وشبكات الماء والتطهير. وركز معرض"أرشيفات الدار البيضاء" بقوة على جانب العمارة، بوصفه أحد أهم العناصر الفنية والجمالية التي تُميّز معالم المدينة بصريًا عن طريق هندسة العمارة الكولونياليّة الموروثة عن الحقبة الاستعمارية، التي نهلت بدورها من حضارات قديمة تمتد إلى حقب زمنية مُعيّنة في إطار مُثاقفة تلقائية أو مفروضة، خاصة أن كل بناية تاريخية تُضمر في طياتها تاريخًا ضاربًا في القدم ونمط عيش مُشترك بين فئات اجتماعىة مُتباينة المستوى. وأمام صور المعرض لـ"المدينة القديمة"وتجّارها البسطاء داخل أسواقهم الصغيرة وبناياتها التقليدية الهشّة تنتصب مبان عصرية شامخة من الإسمنت الطافح بقوّة، بعضها ينتمي إلى الحقبة الاستعمارية وبعضها الآخر إلى العصر الحاضر الذي شهد إعادة ترميم لبعض المباني التاريخية، ولا سيما منذ حصول المغرب على استقلاله عام 1956، مثل "السوق المركزية" وبعض القاعات السينمائية والحدائق التاريخية التي وسمت المدينة قديمًا. يقول شفيق رزيق الباحث في تراث العمارة بجهة الدار البيضاء -للجزيرة نت- إن المغرب "شهد في حقبة الحماية الفرنسية تغيرًا عمرانيًا مُهمًا، فقد قامت سلطات الحماية بعزل العمران المغربي، وشيدت بجانبه عمرانًا حديثًا بخصائص فرنسية". ويضيف أن الجنرال الفرنسي "ليوطي" كلف مواطنه المعمار هنري بروست بإنشاء 10 مدن جديدة، كانت من بينها الدار البيضاء التي اتّسمت بعض معالمها العمرانية المنشأة إبان الحماية بمميّزات ترتكز بالأساس على تقوية العمارة العسكرية بهدف إخضاع المغاربة، فضلا عن العمارة الاجتماعية والاقتصادية النفعية التي تهدف إلى خدمة الأوروبيين. وهذا ما أكده الفرنسيون أنفسهم على لسان المهندس إيكوشار حين قال "لقد غُيّبت العمارة المغربية مدة قصيرة"، حسب رزيق.
أول مدينة عرفت التحديث بالمغرب ولأن الدار البيضاء تُعد أول مدينة عرفت مظاهر التحديث والحداثة بالمغرب، فإن المعرض حاول جاهدا الوقوف عند تجليات هذا التحديث داخل المدينة من الناحية العمرانية والاقتصادية، بحكم ما شهدته في تلك المرحلة من معامل وشركات أجنبية جعلتها المدينة المغربيّة الأكثر رواجًا من حيث الرأسمال البشري والمراكز التجارية. من جهة أخرى، فبقدر ما يتكئ المعرض على سياق تاريخي يسبر الإقامة في تاريخ المدينة وذاكرتها، فإنه من جهة ثانية يُطل على الحاضر ويتطلع إلى المستقبل عبر هذه الصورة والوثائق الخاصة المعروضة لأول مرة من أرشيف المدينة. ومع كل المظاهر الفنية والجمالية والتأريخية التي تحفل بها هذه الصور والوثائق لمُختلف تمظهرات تحديث الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالدار البيضاء، فإنها تعكس من زاوية أخرى حجم المأساة الحقيقية والتناقض البيّن داخل هذه المدينة "الغول" التي أضحت تتنزّل اليوم منزلة لا تقوى مدن أخرى قريبة منها على منافستها من حيث الترفيه والاستهلاك، مع بُعدها التاريخي. وسعى معرض "أرشيفات الدار البيضاء" إلى إبراز تضاريس ذلك التاريخ وطبوغرافية معالمه الحضارية، قبل الحقبة الاستعمارية وبعدها، بما شهدته مرحلة ما بعد الاستقلال من عملية ترميم لبعض الواجهات العمارية التي اكتست طابعًا مغربيًا خالصًا، منذ اللحظة التي بدأت فيها بوادر التوفيق بين التقليد والتحديث والأصالة والمعاصرة وغيرها من الثنائيات الفكرية التي كانت تُحاول تثمين هذا التراث العمراني والاقتصادي وجعله في قلب الحداثة الغربية. ويضيف شفيق رزيق أن من بين "أهم المعالم العمرانية التي عمل الفرنسيون على تشييدها إلى جانب العمارة المدنية نجد العمارة الدينية، إذ عملوا على إنشاء مجموعة من الكنائس والمباني العسكرية. وارتكزت السياسة الاستعمارية الفرنسية في هذا الإطار على 3 مبادئ هي عزل العمارة الفرنسية عن نظيرتها المغربية في المراحل الأولى، فظلت رهينة الإهمال، ثم القيام ببعض عمليات الترميم في الدار البيضاء، فضلا عن تنفيذ أحدث التصاميم العمارية وأكثرها جمالًا في الدار البيضاء". التاريخ البصري للمدينة يُتيح المعرض فرصة كبيرة للباحثين في التاريخ المغربي، إذ يوفر إمكانية الاستفادة من هذا الأرشيف البصري، بما يجعله وثيقة تاريخيّة مُهمة على مستوى التأريخ لتاريخ المدينة اقتصاديًا، خاصة أن الاعتماد على الوثيقة المادية الضيقة لكتابة تاريخ مغربي جديد قد استنفد إمكانية البحث والتفكير وأضحى ينتج نوعًا من الاجترار الأكاديمي في البحث التاريخي، كما أصبح يراهن على خطاب معرفي مُتقوقع في الماضي ويدور في فلكه، من دون أن يُتيح لنفسه القدرة على تأمّل راهنه والتطلّع إلى مستقبله . وغدت هذه الوثائق البصرية تُجدّد هذه الأحداث نفسها، وتنزع عنها زيفها وقدسيتها، وتصحّح مسارها، وترسم لها آفاقًا جديدة على مستوى البحث عن الحقيقة. ومن هذا المُنطلق فإن معرض "أرشيفات الدار البيضاء" يتجاوز كونه يعرض صورًا تاريخيّة، بقدر ما يطرح منهجيًا وبوجه مُضمر مفهومًا مغايرًا لـ"الأرشيف" يُعلي من شأن الصورة والوثيقة البصرية ويجعل سُلطتها وأهميّتها في الكتابة التاريخيّة تبرز إلى السطح. | ||