الجمعة 22 نونبر 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

كل ما ينبغي أن تعرفه عن إقليم مديونة..المجال القبيلة والتاريخ

ذ- حسام هاب: باحث في التاريخ المعاصر والراهن الخميس 5 غشت 2021

ذ حسام هاب/ باحث في التاريخ المعاصر والراهن


يلاحظ المتتبع والدارس لمسار الكتابة التاريخية المغربية أن الإنتاج الإسطوغرافي المعاصر في الجامعة المغربية، أولى اهتماما واسعا بالتاريخ المونوغرافي الذي يهدف إلى دراسة تاريخ المجال أي تاريخ التراب الجغرافي بالمغرب في بعده الاقتصادي والاجتماعي والثقافي قبل دخول البنيات الاستعمارية الحديثة. 

  فقد انتبهت "المدرسة التاريخية المغربية" منذ سبعينيات القرن العشرين إلى أهمية المجال كإشكالية رئيسة على اعتبار أن المجال في حقل التاريخ هو عنصر محدد في عملية بناء الدولة من حيث التشكل الترابي، وتغير عناصر هذا التشكل عبر الزمن. ولهذا عملت على استثمار مفاهيم جغرافية وأنثروبولوجية وسوسيولوجية لرصد بنيات المغرب قبل الاستعمار، أي تلك التي ورثهم منذ العصر الوسيط على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. لذلك تمنح المونوغرافيات للباحث إمكانية فهم القضايا المحلية للمجال المدروس، وتفتح أفقا عريضا للحفر التاريخي في بنية المجتمع باستثمار رصيد العلوم الاجتماعية.  

    ومن هذا المنطلق يأتي اهتمامنا بمنطقة مديونة مجالا وقبيلة وتاريخا كموضوع لهذه الدراسة، لأن دراستها ستساعدنا على تحليل البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية لمنطقة الشاوية قبل التدخل الأجنبي. وقد كان اختيارنا لمديونة نابعا من اعتبارين أساسيين: 

- أولا: أهمية مديونة كمجال سكاني وفلاحي في علاقته بالدار البيضاء.

- ثانيا: محاولة الربط بين خصوصيات المنطقة التاريخية وخصوصيتها البشرية السوسيو ثقافية.

I. المجال والقبيلة:

1. المجال الجغرافي لمديونة:

       يطلق اسم مديونة على أحواز مدينة الدار البيضاء التي تشمل مساحة تقارب 450 كلم مربع على طول حوالي 38 كلم، وهو المجال المحدود شمالا بالمحيط الأطلسي وجنوبا بمجال زناتة وغربا بمنطقة السوالم. وقد كان لموقع مدينة مديونة عند التقاء سهل الشاوية السفلى بالتلال الساحلية على أبواب الدار البيضاء دور كبير في نشأتها وتطورها، حيث اختيرت سنة 2003 لتكون إحدى عواصم الإقليمين المحدثين بضواحي الدار البيضاء، وهو ما ساهم في تطور حجمها الديموغرافي ونسيجها الحضري ووظائفها الحضرية وعلاقاتها بمحيطها الجهوي. وقد ساهمت الدينامية الديموغرافية التي عرفتها مديونة خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين في تحولها إلى أحد أهم التجمعات الضاحوية التي تضطلع بالوظيفة السكنية للعديد من السكان الذين لم تعد العاصمة الاقتصادية في متناولهم.

     هذا الموقع الجغرافي المهم لمديونة، واستقطابها السكاني من الدار البيضاء والبوادي المحيطة بها، جعلها تشهد توسعا ملحوظا لرقعة مجالها الحضري التي انتقلت من حوالي هكتارين في نهاية العقد الثاني من القرن العشرين إلى ما يزيد عن 50 هكتارا في بداية القرن الواحد والعشرين.

2. أصول قبيلة مديونة وتقسيماتها:

     تنتمي قبيلة مديونة إلى اتحادية قبائل الشاوية وبالضبط إلى مجموعة "الشهاونة"، وهي الاسم القبلي لأهم تجمع سكاني محيط بالدار البيضاء، ومن هذا المنطلق يعتبر المديونيين أنفسهم البيضاويين الأصليين. أما على مستوى الأصول فقبيلة مديونة أصلها أمازيغي من زناتة الكبرى، إلا أنهم مع مرور الزمن وبسبب انتشار اللغة العربية بينهم تم تعريبهم خصوصا بعد تضاؤل استعمال اللغة الأمازيغية بينهم إلى حين توقف تداولها. وقد هاجرت هذه المجموعة البشرية من الشرق وبالخصوص من نواحي تلمسان التي استوطنتها قبائل زناتية معروفة بزناتة بني فاتن. 

      وقد تشكلت قبيلة مديونة في نهاية القرن التاسع عشر من سبع مشيخات تضم حوالي 9000 نسمة موزعة على حوالي 1960 خيمة. وحسب كتاب "مدن وقبائل المغرب" الذي أعدته ونشرته البعثة العلمية الفرنسية في بدايات القرن الماضي فإن قبيلة مديونة كانت تنقسم إلى ما يلي: 

• أولاد المجاطية: يضمون 360 خيمة.

• حرث أهل الترس: يضمون 280 خيمة.

• أولاد حدو: يضمون 238 خيمة.

• أولاد مسعود: يضمون 340 خيمة.

• الحفافرة: يضمون 220 خيمة.

• أولاد بن عمر: يضمون 200 خيمة.

• العمامرة: يضمون 274 خيمة.

    ويمكن تقسيم قبيلة مديونة بشريا إلى أربع مجموعات هي: أولاد حدو وأولاد عبد الدايم، وهما المجموعتان الأقل أهمية. أما المجموعة الثالثة فتضم الفخدات التالية: الهراويين، أولاد مومن، أولاد المجاطية، الرواجح. بينما تضم المجموعة الرابعة فخدات: أولاد مسعود، أولاد عبو، أولاد أحمد، أولاد سيف، والمعاريف الذين تفرقوا خارج مجال مديونة في مزاب والدار البيضاء. 

3. النشاط الاقتصادي:

       ساهم الموقع الجغرافي لمديونة في تعزيز مكانتها كمركز اقتصادي وتجاري مهم، فهي تضم سوقا أسبوعيا ليوم الخميس يستقطب التجار والزوار من مختلف جهات الشاوية السفلى والدار البيضاء، كما اكتسبت مديونة مكانة سوق يومي لتجميع الخضر قصد توجيهها نحو سوق الجملة بالدار البيضاء. وشكل إحداث منطقة صناعية في بداية عقد الثمانينات منعطفا بارزا في الدينامية الاقتصادية بالمنطقة، ورغم كون المنطقة الصناعية لم تمكن لحد الآن مديونة من استقطاب أعداد مهمة من الوحدات الإنتاجية (10 وحدات)، فإنها مع ذلك ساهمت في تنويع وتوسيع سوق الشغل فيها وفي محيطها المباشر. 

      وإذا كانت التجارة تحافظ على مكانتها كأول مصدر للشغل بمديونة بحيث تشغل حسب إحصاء 1994 حوالي 30 ‰ من السكان النشيطين، فإن الصناعة والحرف الإنتاجية تحتل الرتبة الثانية بتشغيل  24 ‰ مقابل 17 ‰ للفلاحة و 11 ‰ للوظيفة العمومية. وبذلك تنتصب مديونة أولا كقطب اقتصادي بجهازها التجاري والإنتاجي، وثانيا كسوق للشغل متعددة المشارب، وتلعب وظائف الخدمات التي تعرف تنوعا كبيرا بمديونة دورا ملموسا في إنعاش سوق الشغل، وخاصة منها ما يتعلق بحرف الإصلاح المرتبطة بوسائل العمل في الميدان الفلاحي. 

II. تاريخ مديونة:

1. التطور التاريخي للمجال والقبيلة:

      عرف مجال مديونة استقرارا بشريا قديما منذ مرحلة ما قبل الفتح الإسلامي، وهو ما يفسر بعض رواسب الديانات السابقة عن الإسلام في هذه المنطقة خاصة اليهودية والمسيحية بالإضافة إلى بقاء فئة يهودية متعايشة مع الأغلبية المسلمة وقلة من المسيحيين، وقد شكل المديونيون طرفا من العناصر المهاجرة إلى السواحل الممتدة من آسفي إلى سلا في ما عرف بتامسنا القديمة. وفي القرن الثامن عشر أقام السلطان العلوي المولى إسماعيل قصبة مديونة التي شيدها لحراسة الطريق الرابط بين مراكش والرباط، وظلت هذه القصبة تشكل منذ القرن الثامن عشر وإلى غاية بداية القرن العشرين أحد مقرات قواد الشاوية الكبار وخاصة بالنسبة لقبائل مديونة، كما جعلت منها السلطات الاستعمارية الفرنسية موقعا عسكريا لحماية الدار البيضاء من مقاومة قبائل الشاوية، وبذلك ظلت مديونة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مجرد قصبة تقوم بوظيفة إدارية وعسكرية داخل تراب القبائل المرابطة على أبواب الدار البيضاء.

      أما على المستوى القبلي فمنذ القرن التاسع عشر ارتبطت قبيلة مديونة بقبائل الشهاونة، وتقاسمت معهم هضبة الساحل مشاركة مع قبائل أولاد بورزك، ومنذ ذلك الحين ارتبط تاريخ المديونيين بتاريخ الدار البيضاء، حيث دخلت المدينة في مجال قبيلة مديونة وخضعت لسلطة قائدها، ويكفي أن نشير إلى أنه في سنة 1854 كانت الدار البيضاء تحت قيادة القائد محمد بن رشيد عامل مديونة.

      وفي الجانب الإداري فاتحادية قبائل الشاوية التي تنتمي إليها قبيلة مديونة لم يطرأ عليها أي تغيير يذكر منذ القرن الثامن عشر، وإن كان توزيعها قد خضع للتحوير تبعا لعوامل إدارية وجبائية، فقد ظلت قبيلة مديونة بالإضافة إلى قبائل أولاد زيان والزيايدة ضمن مجموعة الشهاونة وهي إحدى المجموعات الكبرى لقبائل الشاوية. لكن خلال مرحلة حكم السلطان مولاي الحسن الأول سيبرز في الوثائق المخزنية تقسيم إداري جديد حيث ستنشطر اتحادية قبائل الشاوية إلى مجموعتين وتصبح قبيلة مديونة ضمن مجموعة أولاد بوعطية تحت قيادة القائد أحمد بن العربي المديوني، وسيكون هذا التقسيم الثنائي جاريا به العمل حوالي سنة 1889- 1890. وعلى إثر التدخل الفرنسي بالدار البيضاء والشاوية سنة 1907، ومنذ شتنبر 1908 تم تقسيم الشاوية إلى سبع دوائر فأصبحت دائرة الدار البيضاء تراقب مديونة.

      بعد الدخول الرسمي للاستعمار الفرنسي إلى المغرب والانتهاء التدريجي للعمليات العسكرية بالشاوية، تم يوم 22 مارس 1913 تحويل منطقة الشاوية من منطقة عسكرية إلى جهة مدنية ضمت قبيلة مديونة. وفي سنة 1919 قسمت جهة الشاوية إلى ثلاث مراقبات مدنية، وأصبحت المراقبة المدنية للشاوية الشمالية ومقرها الدار البيضاء تشرف على مديونة. وتزامنا مع الإصلاح الإداري الجديد الذي عرفته منطقة الحماية الفرنسية في عهد المقيم العام الفرنسي هنري بونصو أصبحت مديونة ضمن دائرة الشاوية الشمالية بالدار البيضاء التي ترأسها القائد الحاج عبد السلام بن عبد الصادق منذ تاريخ 1 يناير 1925.

 

2. علاقة مديونة بالمخزن:

       تميزت علاقة قبيلة مديونة بالمخزن تاريخيا بالمد والجزر على غرار باقي قبائل الشاوية، فمديونة لا تخرج عن نطاق القبائل المخزنية التي كانت تلتزم بتأدية الضرائب لممثلي المخزن حسب عدد الخيام، كما ساهمت دائما في إمداد الحركات السلطانية بما تحتاجه من مؤمن ومعدات ورجال، وحرصت على تقديم الهدايا إلى السلاطين في المناسبات والأعياد، ودفعت الزكاة والأعشار بانتظام لممثلي المخزن، والتزمت أسواقها بدفع المستفاد للقواد. لكن استقرار هذه العلاقة بين الطرفين لم يكن معطى ثابتا فقد عرفت علاقة مديونة بالمخزن لحظات من الصراع والخلاف، فمن الأمثلة عن ذلك عندما توفي السلطان العلوي محمد بن عبد الله وبويع ابنه المولى اليزيد سنة 1790 ثارت قبيلة مديونة، وهجموا على سكان الدار البيضاء وأبناء السلطان محمد بن عبد الله الذين قدموا من مراكش إلى الدار البيضاء آنذاك. وعقابا لقبيلة مديونة على هجومها أمر السلطان المولي اليزيد قائد الشاوية الخطاب بن عثمان المنياري الحريزي أن يقبض من مديونة خمسمائة من الخيل، وسبعة عشر ألف مثقال وألفا من البقر عقوبة لهم على هجومهم على أبناء أبيه السلطان محمد بن عبد الله.

       شهدت علاقة قبيلة مديونة بقواد المخزن محطات كثيرة من التوتر حيث كانت ترفض بعض المرشحين لتمثيله لديها، ومن قبيل ذلك رفضها خلال فترة حكم السلطان المولى سليمان تولية القائد الغازي الشاوي، حيث كان أحد كبار قبيلة مديونة المعطي بن إبراهيم المديوني ضمن وفد أعيان الشاوية الذين رفضوا هذا القائد قائلين لممثل السلطان محمد بن عبد الصادق الريسولي الذي جاء لمقابلتهم "السلطان الله ينصره وأما الغازي الشاوي فلا يتصرف علينا".

      وفي فترة حكم نفس السلطان انتفضت قبيلة مديونة باتفاق مع قبائل أخرى مثل المذاكرة وأولاد علي ضد عاملها إبراهيم بن محمد الأوراوي بسبب قيامه بحملات عسكرية بالشاوية بعد توليته، وهو ما اضطره إلى الهروب "إلى قصبة أولاد علي بن الحسين بمديونة... ولا منعه من الموت إلا الشيخ المعطي بن إبراهيم المديوني". وعن حالات فرار المديونيين من جند المخزن أثناء الحملات العسكرية يقول محمد الضعيف الرباطي في كتابه (تاريخ الضعيف) "وهرب الجل من مديونة والسوالم والبعض من أولاد حريز قطعوا وادي أم الربيع ودخلوا في دكالة خوفا من مولاي الطيب".

       كانت العلاقة غير المستقرة بين المخزن العلوي وقبيلة مديونة تعبيرا عن الحالة العامة بالشاوية، حيث كانت الفوضى وعدم الاستقرار عنوانا لمرحلة تاريخية حولت المنطقة إلى ساحة للصراع بين القبائل، وهو ما تجلى في عدد من الحوادث التي عرفتها الشاوية نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر ومنها ما ذكره الضعيف في كتابه قائلا "عظمت الفتنة بين قبائل الشاوية وخصوصا بين أولاد حريز ومديونة بل مع الشهاونة، ومن جهة أولاد حريز المذاكرة وأولاد علي.

3. علاقة مديونة بالأوربيين:

       ظلت علاقة الشاوية بالأوربيين محدودة منذ عصور قديمة وإلى حدود القرن التاسع عشر في ظل تواجد بعض التجار بمدينة الدار البيضاء لشراء المنتوجات التي اشتهرت بها المنطقة. وبقدر ما توسعت العلاقات التجارية بين المغرب وأوربا، ونمت مصالح الأجانب بالمدينة ازداد اتصال الأوربيين بسكان الشاوية. وبحكم القرب الجغرافي من الدار البيضاء، والأهمية الطبيعية والاقتصادية فقد كانت مديونة من بين أهم مناطق الشاوية التي توغل فيها الأوربيون منذ أواخر القرن التاسع عشر، حيث بدؤوا في ربط علاقات اقتصادية على المستوى التجاري والفلاحي مع المديونيين. وكان لهذا التوغل الأوربي الهادئ دور بارز في ظهور نظام الحمايات القنصلية والمخالطات بمديونة التي انتشرت فيها ظاهرة الحماية والمخالطة بشكل كثيف.

       نتج عن انتشار المخالطة والحماية بقبيلة مديونة آثار وعواقب وخيمة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، حيث كادت مديونة أن تكون كلها سماسرة ومخالطين الذين بلغ عددهم 202 مخالطا، والسماسرة بلغ عددهم 62 سمسارا، مما سهل استحواذ الأوربيين على أخصب الأراضي الفلاحية من خلال بيع المديونيين أراضيهم بمساعدة عدد من السماسرة الذين ازداد عددهم ما بين 1883 و 1900 مرتين حسب الأجناس المتعاملين مع المديونيين وفق الترتيب التالي: بريطانيا ثم فرنسا فإيطاليا، وتأتي دول أوربية أخرى بأعداد وصلت إلى أكثر من 20 سمسارا. وقد ساهمت ظاهرة الحماية القنصلية والمخالطة وقرب مديونة من الدار البيضاء في حالة الإفقار التي عاشتها قبيلة مديونة، ونتج عن ذلك هجرة واسعة من القبيلة إلى المدينة. وترتب عن هذا الوضع توتر في العلاقات بين السلطات المحلية في كل من القبيلة والمدينة، وهو الأمر الذي كان يهيئ السبيل لتدخل القناصل الأجانب.

       ومن الناحية السياسية ساهم دخول الأوربيين إلى مديونة والانتشار الواسع للحماية والمخالطة في تفكيك روابط الإدارة المحلية مع السكان، وخلخلة سلطة المخزن على القبيلة إذ كان التجار الأجانب والقناصل يشجعون المديونيين على الدخول في الحماية، وعقد المخالطات بهدف التهرب من أداء الواجبات المخزنية بالنسبة للسكان، وبهدف نشر نفوذ الدول الأجنبية بالنسبة للتجار. ولعل أصدق مثال يصف الحالة التي كانت تعيشها مديونة الرسالة التي كتبها قائد القبيلة أحمد بن العربي المديوني يتشكى للسلطان المولى الحسن الأول مما صدر من أهل الحماية والمخالطة "من السعي في إيقاد نار الفتنة بالقبيلة" بعد أن تدخل لدى القناصل فلم يسمعوا له قولا، وهكذا لم يستطع قائد مديونة أن يقوم بأي رد فعل تجاه تصرفات المحميين والمخالطين والتجار الذين يقفون وراءهم غير الشكاية للسلطان.

4. الحياة الدينية في مديونة:

      تميز مجال مديونة بانتشار كبير لمزارات وأضرحة الصلحاء والأولياء التي شكلت فضاءات للتعبد والقدسية عند المديونيين، ومن أبرزهم:  

• ضريح سيدي عبد الله بن الحاج.

• ضريح سيدي عبد الرحمن.

• ضريح سيدي أحمد بن لحسن (المقابل لقصبة مديونة).

• ضريح سيدي مرشيش (يقع غرب القصبة).

وتوجد أيضا أضرحة ومزارات أخرى أقل أهمية في مجال قبيلة مديونة مثل:

• تادرت.

• سيدي نعيمي.

• سيدي إبراهيم.

• سيدي مبارك.

• سيدي غانم.

• سيدي خضار.

• سيدي مومن.

• سيدي حجاج.

     وقد حظي هؤلاء الأولياء بمكانة رفيعة وتقديس كبير في مديونة مكنتهم من الرسوخ في الذاكرة المحلية التي روت عنهم حكايات وأساطير، ومن الأمثلة عن ذلك الولي الصالح سيدي أحمد بن لحسن الذي استطاع بفضل تنسكه وخدمته بالمسجد أن ينشئ جماعة دينية سماها "أهل الخمسة"، ومن الكرامات التي تروى عنه تزكية حليب المرضع وحليب الحيوانات المرضعة، ومن أجل ذلك عد قبره مزارا تتوافد عليه المرضعات من جل مناطق الشاوية. أما المثال الثاني فهو الولي الصالح سيدي إبراهيم الذي كان معروفا بالعدل والصراحة والتشدد في الحق والدفاع عن المسكين والأرملة واليتيم، بالإضافة إلى انتقاده الشديد لرجال السلطة لدرجة جعلت ولاة الأمور في مديونة يحاولون شراء صمته على ما كان يجري أمام عينه من استغلال النفوذ.

       كما عرف عن قبيلة مديونة ادعاء بعض فخداتها الانتماء إلى الشرفاء فمثلا أولاد حدو يدعون انحدارهم من الساقية الحمراء، وكذلك أولاد عبو وأولاد عزوز يدعون نفس الانتماء. ومن الطرق الصوفية التي كان لها حضور قوي في قبيلة مديونة نجد الطريقة البوعزاوية التي أسسها أبو عبد الله محمد بن الطيب البوعزاوي الشاوي، وانتشرت فروعها في جل بقاع الشاوية ومن ضمنها مديونة خصوصا بعد سنة 1903.

5. دور مديونة في انتفاضة الشاوية 1907 - 1908:

       كانت مديونة شاهدة على أهم الأحداث والمعارك التي عرفتها المنطقة خلال فترة 1907-1908 عندما قامت فرنسا بقنبلة واحتلال الدار البيضاء والشاوية، وانتفاض قبائلها ضد القوات الفرنسية دفاعا عن أرضهم في مواجهة التغلغل الاستعماري. فقبل انطلاق شرارة الأحداث كانت قبيلة مديونة من ضمن وفد قبائل الشاوية الذي قام بزيارة إلى الدار البيضاء يوم 28 يوليوز 1907 للاتصال بقائدها بوبكر بن بوزيد مطالبين إياه على وجه الاستعجال بطرد المراقبين الفرنسيين من الديوانة، والإيقاف الفوري لأشغال ميناء الدار البيضاء وتخريب السكة الحديدية.

        كما احتضنت مديونة أول محلة حفيظية للجهاد أرسلها المولى عبد الحفيظ لنصرة قبائل الشاوية حيث خرجت من مراكش يوم 16 شتنبر 1907 بقيادة محمد ولد رشيد الفيلالي وعند وصولها خيمت بسيدي عيسى قرب مديونة، وضمت 1000 رجل بين جنود نظاميين ومتطوعين من تافيلالت وقبائل أخرى، وتكونت هذه المحلة من 314 خيمة كان لقبيلة مديونة فيها 21 خيمة.

      وشهدت قصبة مديونة أكبر تجمع لقبائل الشاوية إبان الهجمات الأولى للبوارج الفرنسية على ميناء الدار البيضاء لتتعاهد في ما بينها على محاربة التوغل الفرنسي في الدار البيضاء والشاوية، وقد خلد فن العيطة الشعبي هذا الحدث بالعبارة الشهيرة "في مديونة تعاهدوا وليدات الشاوية، وتحت الكرمة تفرق الديوان". وقد عاشت قصبة مديونة معارك ضارية بين قبائل الشاوية والقوات الفرنسية تحت قيادة الجنرال الفرنسي درود الذي قام بهجوم على القصبة وتمكن من احتلالها في 1 يناير 1908. وبعد دخول القوات الاستعمارية إلى الشاوية كان لقبيلة مديونة دور بارز في مقاومة ومواجهة الفرنسيين حيث تميز المديونيون بالمقاومة والصلابة في الدفاع عن أرضهم، وتعتبر قبيلة مديونة من بين آخر قبائل الشاوية التي استسلمت للفرنسيين.  

       وخلاصة القول فإن دراسة منطقة مديونة على مستوى المجال والقبيلة والتاريخ تساهم في معرفة التاريخ المحلي لمنطقة الشاوية نظرا لقيمتها الجغرافية والطبيعية والبشرية، وأهمية المراحل التاريخية التي مرت منها، والدور الوطني لقبائلها في انطلاق الشرارة الأولى للمقاومة الوطنية الشعبية ضد التغلغل الاستعماري الفرنسي بالمغرب والتي تعتبر انتفاضة الشاوية (1907-1908) إحدى معالمها المضيئة. كما أن دراسة مجال مديونة في علاقته بالإنسان والمجتمع تمكننا من فهم التأثيرات العميقة للطبيعة والسلطة والقبيلة في تطور المجتمع الشاوي قبل الحماية الأجنبية على المغرب.

 

1