الثلاثاء 26 نونبر 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

تاريخ المقاومة بالدار البيضاء.. ثلاثة أسئلة لعبد الكريم الزرقطوني، رئيس مؤسسة محمد الزرقطوني

كازا 24 الأربعاء 14 يونيو 2023

أجرى الحوار عبد اللطيف الجعفري / ومع/

في اليوم الوطني للمقاومة (18 يونيو من كل سنة) ما يزال تاريخ المقاومة بالدار البيضاء يقدم المزيد من الصور والعبر التي تشكل حلقة مهمة من تاريخ المقاومة الوطنية.

تاريخ المقاومة بالدار البيضاء حافل بالبطولات والمغازي والدلالات، التي ساهمت في تحرر الوطن من الاستعمار، وهو ما يسعى الباحثون إلى إضاءته في كل المناسبات، بيد أن الأجيال الحالية تجهل الشيء الكثير عن هذا التاريخ.

 عبد الكريم الزرقطوني رئيس مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث، يبرز في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أهمية هذا التاريخ، حيث يعتبره كتابا مفتوحا أمام الباحثين والمؤرخين وعموم القراء.

ويخلد الشعب المغربي وأسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحريـر يوم 18 يونيو 2023 الذكرى 69 لليوم الوطني للمقاومة الذي يقترن بذكرى استشهاد البطل محمد الزرقطوني، والذكرى 66 للوقفة التاريخية لبطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، استحضارا لتضحيات شهداء الكفاح الوطني في سبيل الحرية والاستقلال والوحدة الترابية.

1. تاريخ المقاومة بالدار البيضاء حافل بمحطات مفصلية.. من أي زاوية يمكن قراءة هذا التاريخ في الوقت الراهن؟

أعتقد أن الحديث عن تاريخ المقاومة المغربية بمدينة الدار البيضاء يظل كتابا مفتوحا أمام الباحثين والمؤرخين وعموم القراء، لاعتبارات متعددة، لعل أولها مرتبط بدروس التجربة وبامتداد قيمها ومبادئها وعبرها إلى يومنا هذا. وثانيها مرتبط باستمرار الكثير من الفراغات العالقة التي يجب أن ينصب البحث التاريخي العلمي لسبر أغوارها ولتدقيق النظر في جزئياتها. وثالثها مرتبط باستمرار توزع المادة الوثائقية والمصدرية بين جهات مختلفة وبمواقع متباينة تراوحت بين المغرب وبين العديد من الدول الأوربية، وعلى رأسها فرنسا وإسبانيا.

لا أعتقد أن البحث في تاريخ المقاومة بمدينة الدار البيضاء قد استنفذ كل مهامه وكل أدواره، مادامت تفاصيله تظل صفحات بيضاء لازالت تنتظر جهود المؤرخين المتخصصين لتعزيزها بأعمال قطاعية أكاديمية نزيهة.

ويزداد الأمر إلحاحا على هذا المستوى، إذا أخذنا بعين الاعتبار الرؤى الجديدة التي أضحت تهيمن على منطلقات التدقيق والنبش لدى مؤرخي اليوم، وهي المنطلقات التي لم تعد تحصر تجارب المقاومة والفداء في العمليات الميدانية المسلحة ضد الاستعمار وأذنابه، ولكنها أصبحت تميل أكثر نحو تشريح فكر المقاومة بامتداداته في المجالات الاجتماعية والثقافية والتعبوية المدنية.

 

بمعنى أن تراث المقاومة أصبح يكتسب قيمة إنسانية نبيلة تستحق أن تكون موضوع دراسة مستمرة وتأمل مستدام قصد تشريح سياقاته المجتمعية المتعددة وفهم عمق أبعاده التحررية المتداخلة.

 

2. المقاومة بالدار البيضاء حافلة بالدروس الوطنية والمغازي.. ما هي أنسب السبل كي تتشبع الأجيال الحالية بهذه الدروس بما يفيد القضايا الوطنية المصيرية راهنا؟

من المؤكد أننا نعيش اليوم ثورة الإعلام الذكي والتواصل الإلكتروني المثير. لذلك، لا يمكن عزل أنفسنا عن محيطنا وعن تغيراته التواصلية الهائلة والسريعة. 

يجب تطوير خطاباتنا وآليات تواصلنا بشكل يواكب مستجدات الثورة الرقمية والإلكترونية العالمية الراهنة، كما يجب الاقتراب من اهتمامات شبيبة اليوم لمخاطبتها باللغة التي تفهمها وبالأدوات التي تنسجم مع رؤاها ومع تكوينها ومع انتظاراتها.

لا يمكن لخطاب الوعظ والإرشاد والإفراط في الاحتفاء بالذات أن يحقق المراد على هذا المستوى. كان خطاب الوعظ والاعتزاز المفرط بالذات مفيدا وفاعلا، ومؤثرا خلال مرحلة المواجهة المباشرة مع الاستعمار، فكان يشكل مصدر طاقة هائلة لإلهام النفوس ولدفعها نحو التعبئة الجماعية ضد جبروت الاستعمار، مما مكن من تحقيق المراد والمبتغى بإجبار فرنسا وإسبانيا على الاعتراف بالحق المغربي في الحرية وفي الاستقلال وفي السيادة.

انتهى الاستعمار إلى الزوال، وانتهت حركة المقاومة والعمل الوطني إلى الانتصار البطولي الذي بلغ ذروته مع ثورة الملك والشعب.

لم يقف الأمر عند حدود منتصف خمسينيات القرن الماضي بالإعلان عن عودة السلطان محمد بن يوسف من منفاه السحيق والاعتراف باستقلال المغرب، بل استمر تراث المقاومة، ومعه أخلاق المقاومة ومبادئ المقاومة، راسخا وملهما للأجيال المتعاقبة.

لم يتخذ هذا التراث مظاهر التدافع والمجابهة التي فرضتها مرحلة الاستعمار، ولكنه اكتسى صبغة إنسانية عكستها مبادئ المقاومة وقيمها النبيلة التي كانت الملهم الأول في تحريك الهمم وفي تحفيزها على الفعل وعلى العطاء.

وفي هذا الجانب بالذات، تكمن عناصر راهنية خطاب المقاومة الواجب تجديد آلياته التواصلية حتى يساير مستجدات العصر وانتظارات الأجيال الصاعدة.

3. ما هي الأدوار التي تضطلع بها مؤسسة محمد الزرقطوني للتعريف بهذا التاريخ وتعميق الأبحاث العلمية بشأنه؟

دأبت مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث، ومنذ تأسيسها سنة 2000، على جعل الاشتغال على تراث المقاومة المسلحة والحركة الوطنية أفقها المركزي في البحث وفي التنقيب وفي التوثيق وفي التواصل.

لذلك، ظل رهاننا يتمركز على محاور متداخلة في تجربتنا وفي مسارنا، استحضارا لأضلع متداخلة في العمل وفي العطاء، يقوم أولاها على مواكبة البحث العلمي المتخصص في الاشتغال على ذاكرة المقاومة، من خلال تنظيم العديد من الندوات العلمية لتجميع عطاء الباحثين المتخصصين، ثم من خلال الحرص على تأطير الباحثين الشباب وتوجيههم، وإصدار سلسلة من الأعمال التوثيقية ذات الصلة بالموضوع مثلما هو الحال -على سبيل المثال لا الحصر- مع الإصدارات التوثيقية لسيرة الشهيد محمد الزرقطوني والشهيدة ثريا الشاوي والمقاوم محمد بن عبد القادر الشتوكي والمقاوم سعيد بونعيلات والمقاوم مولاي عبد السلام الجبلي.

وعلى مستوى آخر، حرصت المؤسسة على تطوير آلياتها التواصلية، من خلال أنشطتها الإشعاعية بالفضاءات العمومية وبالمؤسسات التعليمية والجامعية، كما بلورت خطا تحريريا رصينا للتواصل مع المتلقين، وخاصة الشباب منهم، عبر صفحتها الرسمية لشبكة الأنترنيت، وعبر تطوير أشكال توظيف تراث المقاومة في المجالات الإبداعية المتنوعة مثل المسرح والسينما والبرامج الوثائقية والموسيقى والكتابات النثرية والشعرية.

ونحن الآن بصدد التهييء لإطلاق مشروع قناة تلفزيونية خاصة بالمؤسسة، نراهن عليها من أجل توسيع دوائر تأثيرنا ومبادراتنا، خدمة لتراث المقاومة ولقيمها الإنسانية والتحررية الخصبة والنبيلة القادرة على المساهمة في تعزيز قيم الانتماء للوطن وثوابت المواطنة الراشدة التي نراهن عليها لترسيخ المكتسبات ولاستشراف المستقبل.