الخميس 10 أكتوبر 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

كل ما ينبغي معرفته عن «عين الشق»..التسمية والتاريخ

كازا 24 الخميس 26 شتنبر 2024

اختلفت الروايات في سبب التسمية ومصدرها. بعض قدامى الحي أرجعوا إسم الحي إلى نبع ماء كان يخرج من شق صخري وراء موقع بناية البريد الحالي قرب طريق المنظر العام ومقابل ما كان يعرف بفران الجير في المنطقة التي تسمى الآن "بين المدن".

البعض الآخر ربط الإسم بتواجد "عوينة الصابون" على طريق مديونة القريبة وبأن العين المذكورة في الإسم هي نبع "عوينة الصابون".

بينما كتابات بعض المقيمين الفرنسيين واليهود المغاربة الذين سكنوا الحي في السنوات الأخيرة من الادارة الفرنسية بالمغرب تذكر في بعض المواقع التي تنشر ذكرياتهم عن الحي بأن الإسم الحقيقي هو "عين الشوك" وبأن ترجمة هذا الإسم للفرنسية هي التي أعطت الإسم الحالي بالفرنسية "Ain Chock" ومنها جاءت بعد ذلك "عين الشق" بالعربية الدارجة.

وبين "عين الشق" و "عين الشوك"، اخترت أن أطلق على هذا الحي الذي ولدت وترعرعت فيه اسم "عين الشوق"، نظرا للحمولة والشحنة العاطفية التي يثيرها مجرد ذكر اسمه أو مطالعة صورة من صوره القديمة بالأبيض والأسود، أو تذكر بعض الأشخاص والمواقع التي تشكل الذاكرة الجماعية لجيل عاش أجمل أيامه بين أزقة ودروب هذا الحي الجميل.

"عين الشق"، هذا الإسم سوف يتعود المغاربة على سماعه عدة مرات في اليوم بعد انطلاق البث التلفزيوني في المملكة يوم 3 مارس 1962 والذي كان زامن عيد العرش آنذاك.

كان السبب في ذلك تواجد استديوهات التلفزة بعين الشق والتي كانت بنيت أساسا في بداية الخمسينات لإطلاق قناة تلفزيونية. كانت العديد من البرامج والسهرات تنظم باستديوهات "عين الشق".

"عين الشق"، رغم تواجده في الأطراف الجنوبية للدارالبيضاء، بعيدا نسبيا عن مركزها حيث الأحياء الأوروبية الحديثة، لم يكن تراكما مع الزمن لمساكن عشوائية أو تجمعات بدوية كما كان الحال حتى في العشرينات في وسط الدرالبيضاء الحالية وبعض أطرافها. بل هو من الأحياء التي تم التخطيط لها وبناءها فوق أرض خالية رغم قربها من مضارب "أولاد حدو".

ذلك أن الإدارة الفرنسية التي خططت لبناء الحي كان لديها تصور كامل لشبه مدينة صغيرة بها كل متطلبات العيش في منطقة بعيدة نسبيا عن الأحياء الأخرى التي تعج بالحركة التجارية والصناعية والإدارية.

كما أنها قررت أن يسكنه بعض من موظفيها المغاربة والأوروبيين وقدماء المحاربين وعائلات مفقودي الحروب الفرنسية.

وبالتالي فإن التصميم العمراني الذي وضع لبناء "عين الشق" تم على أساس أن يكون حيا مستقلا عن باقي أحياء الدارالبيضاء.

وهكذا وجدت به أغلب مرافق الحياة العامة التي تحتاجها ساكنة الحي: كان به إضافة إلى البيوت السكنية مسجد كبير، اعتبر آنذاك من أكبر مساجد المغرب. بني بالحي كذلك سوق عام للخضر والفواكه واللحوم والأسماك، مكاتب للعدول ملاصقة للمسجد، صيدلية، مركز صحي، مركز البريد، سينما، حديقة ألعاب للأطفال (الزعلولة) وبناية إدارية كانت خلال الحماية تصرف فيها أجور قدماء المحاربين وعرفت بعد ذلك ب"دار الخليفة" أو "المقاطعة" قبل أن تصبح مقرا لجماعة عين الشق بعد إقرار نظام الجماعات المحلية بالمغرب.

كما عرف الحي بناء أكبر مجمع خيري اجتماعي بالمغرب، "دار الأطفال" التي عرفت ب"الخيرية" وذلك لإيواء أبناء الجنود الذين حاربوا في صفوف فرنسا وتوفوا في الحرب العالمية الثانية، لتفتح أبوابها بعد ذلك لكل يتامى المدينة بل والمدن الأخرى بالمغرب(للأسف لم يعد لها وجود بعد أن تم هدمها ). 

التصميم العمراني الذي وضعته الإدارة الفرنسية قسم حي "عين الشق" إلى 5 أجزاء:

الجزء الأول:

يتواجد بين الشارع الذي ينطلق من مستشفى مرضى السل إلى سينما الصحراء (شارع برشيد حاليا)، وأيضا بين الشارع الذي كان نهاية خط الباص رقم 4 والزنقة التي تنطلق من المقاطعة التاسعة (دار الخليفة) والتي تمر أمام مكاتب محلات العدول لتلتقي بالمحطة النهائية للباص رقم 4 من ناحية بناية السوق وسينما الصحراء.

وهو أكبر جزء من الحي ويطلق عليه أيضا إسم "الدرب القديم" وما زال يعرف بهذا الإسم إلى الآن. خط الباص رقم (4 باري) كانت محطته النهائية (التيرمينوس) عند "دار الخليفة" أو المقاطعة التاسعة، وكنا نسميه "سراق الزيت"، لأنه كان عبارة عن "تراموي" كهربائي بدون سكة حديد وكان مرتبطا بخطوط الكهرباء بواسطة قضيبين عموديين يشبهان زعانف الصراصير أي "سراق الزيت"، ومن هنا كانت التسمية.

الجزء الثاني: يتواجد مقابل مكتب البريد إلى المسجد، وأيضا بين شارع المنظر العام الذي كان يسمى أيضا الحزام الكبير والزنقة التي تقع في مواجهة المقاطعة التاسعة ومكتب البريد (زنقة زاكورة حاليا) وإلى منعطف المسجد صعودا نحو مدرسة "المنظر العام" (بانوراميك) لتلقي بالشارع الذي يحمل نفس الإسم: المنظر العام.

الجزء الثالث: وهو المنطقة المتواجدة بين الشارع الذي يمر منه الباص رقم 4 (شارع برشيد) والزنقة رقم 9 التي تنطلق من نفس الشارع إلى دار الأطفال. ويعرف أيضا بدرب المخزن لأن عائلات أفراد القوات المساعدة كانت تسكن بهذا الجزء.

القسم الرابع: وهو أصغر جزء من الحي، ويتواجد في مقابل مستشفى أمراض الصدر، ويطلق عليه درب البناني.

القسم الخامس والأخير كان يسمى سينكيام (Cinquième) أي الخامس. وكان مخصصا في البداية لقدماء المحاربين والموظفين. ويقع هذا الجزء بالظبط بين درب البناني (الرابع) ودار الأطفال وأيضا درب المخزن (الثالث) ودرب الخير الذي كان مختلفا تماما من الناحية الهندسية مع الأقسام الخمسة. 

وسط الجزء الخامس (السينكيام) كانت توجد بناية كبيرة: دار المحاربين (Maison des combattants) ويطلق عليها أهل الحي "دار العسكري" لأنها كانت تشكل إقامة سكنية لأحد كبار الضباط في الطابق العلوي، بينما الطابق السفلي كان مقسما بين الفرع المحلي للإدارة العسكرية، ومقر للمساعدة الاجتماعية مدام فاندال (Mme Vandal) قبل أن تنتقل هذه الأخيرة بعد ذلك إلى مكتبها الجديد بالدرب القديم قرب محلات العطارة. وكان بنفس البناية مكتب لأداء كراء البيوت تابع للشركة الشريفة العقارية المغربية الفرنسية قبل أن يتم نقله أيضا إلى الأقواس مقابل مكاتب العدول.

وكانت كراء بيوت عين الشق يعتبر أرخص كراء في الدار البيضاء بالنسبة لبيت من غرفتين وبهو ومطبخ ومرحاض بسومة كراء في حدود 30 درهم تقريبا.

وقد بدأ مشروع بناء حي "عين الشق" سنة 1936، ورغم الحرب العالمية الثانية التي تلت ذلك بعد ىسنوات قليلة، فإن الإدارة المحلية لم توقف الأشغال وخرج  إلى الوجود مع انتهاء المعارك بأوروبا أي في سنة 1945. وتوافد أول السكان من جنسيات مختلفة إلى الحي سنة 1946، وكان أغلبهم موظفون في الإدارة الفرنسية أو من قدماء المحاربين وعائلاتهم. في تلك السنة كانت أغلب الأجزاء السكنية للحي قد تم بناءها، بينما استغرق بناء التجهيزات الأخرى بضع سنوات بعد ذلك.

المهندسون الذين اشتغلوا على مختلف مرافق مشروع حي "عين الشق" هم:

أنطوان مارشيزيو (Antoine Marchisio)

بول بوسولتيل (Paul Busultil)

إدموند بريون (Edmond Brion)

بيار شاسان (Pierre Chassagne)

جان فرانسوا زيفاكو (Jean François Zevaco)

وقد كان المهندس أنطوان مارشيزو (Antoine Marchisio) هو من وضع التصميم الشامل للدرب القديم الذي يشكل النواة الأولى والجزء الأكبر من حي "عين الشق"، بحيث صممه على شكل "عمود فقري سمكي" كما تظهر أغلب الصور المأخودة جوا للحي. وقد انتهى البناء من الأجزاء السكنية الخمسة كلها تقريبا في سنة 1945، وبوشر بعدها ببناء التجهيزات الأخرى تحت إشراف المهندسين الآخرين المشاركين في المشروع.

وهكذا أتم المهندس إدمون بريون (Edmond Brion) تصميم وإنجاز المسجد الكبير سنة 1946 وكان آنذاك يعتبر أكبر مسجد بالمغرب، وهو عبارة عن مجمع ديني وإداري يضم إضافة إلى المسجد، مدرسة قرآنية ومكاتب للعدول ومسكنا للإمام وبعض الحدائق داخل المسجد وخارجه.

وأتم المهندس بيار شاسان (Pierre Chassagne) مبنى الحمام العمومي سنة 1948 وكان في ذلك الوقت الحمام الأكثر عصرية وأهمية في المغرب. وكان يشكل جزءا من البنية التحتية التقليدية والأساسية في المدن المغربية، وقد تم بناءه قرب المسجد كما جرت العادة بذلك.

بجنب الحمام وفي نفس الموقع ونفس السنة أي 1948 أتم المهندس بول بوسولتيل (Paul Busultil) مبنى السوق العام الذي كان يسمى سوق الدرب القديم، وقد تم تشييده بالأسمنت المسلح، ومزج فيه المهندس بين عناصر من الهندسة الحديثة وأخرى مغربية تقليدية.

وفي مكان منزو نسبيا عن المجمعات السكنية وبالقرب من مبنى المقاطعة، صمم وأنجز المهندس جان فرانسوا زيفاكو (Jean François Zevaco) مبنى البريد سنة 1955 واختار فيه تصاميم مكعبة مع استعمال ألواح رخامية في أجزاء من واجهته الخارجية.

وعلى صعيد تنفيذ أعمال البناء فقد شاركت عدة مقاولات في إنجاز مختلف مكونات المشروع. إلا أن أهم جزء فيه وهو المناطق السكنية فقد تكلفت ببنائها مقاولة فرنسية عبر فرعها بالمغرب وتحمل اسم GAGNERAUD. ومازالت هذه الشركة موجودة بفرنسا وتحمل نفس الإسم ويذكر موقعها الإلكتروني على أنها قامت بإنجاز مشاريع بناء في المغرب.

وهكذا فإن النواة الأولى لحي "عين الشق" تشكلت من هذه الأجزاء السكنية الخمسة إضافة إلى بنايات المصالح الخذماتية، من مسجد وحمام وسوق وبريد ومركز صحي وغير ذلك.

وكما تظهر الصور الجوية الأولى للحي بعد بنائه، لم يكن هناك وجود لأي تجمع سكني آخر في المنطقة والتي ستعرف بعد توافد السكان الأوائل للحي الجديد توسعا عمرانيا متسارعا وخصوصا بعد انتهاء إدارة الحماية الفرنسية وحلول الإدارة المغربية محلها. وهكذا سيظهر حي درب الخير، افريقيا، جوادي، بين المدن، الكريمات،حي ياسمينة، الإنارة،حي مولاي عبدالله... وغيرها.