الاثنين 20 يناير 2025
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

«البوطوار».. إحياء ذاكرة البيضاويين..مقاهي ومطاعم تستعيد فضاءها التاريخي

كازا 24 الأحد 19 يناير 2025

في‭ ‬زاوية‭ ‬هادئة‭ ‬من‭ ‬الحي‭ ‬المحمدي،‭ ‬يلوح‭ ‬مبنى‭ ‬المجازر‭ ‬القديمة "‬البوطوار" ‬شامخا‭ ‬أثرا‭ ‬من‭ ‬حقبة‭ ‬ذهبية‭ ‬شهدتها‭ ‬البيضاء،‭ ‬فالمكان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬عشرينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬يعج‭ ‬بالحركة‭ ‬والنشاط،‭ ‬بات‭ ‬اليوم‭ ‬ورشا‭ ‬لآمال‭ ‬معلقة‭ ‬بإعادة‭ ‬إحيائه‭ ‬عبر‭ ‬مشروع‭ ‬تأهيلي‭ ‬واعد‭ ‬يعيد‭ ‬إليه‭ ‬رونقه‭ ‬القديم‭.‬

بين‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر

بنيت‭ ‬المجازر‭ ‬في‭ ‬1922،‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الحماية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬لتكون‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬المنشآت‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الطراز‭ ‬المغربي‭ ‬التقليدي‭ ‬واللمسات‭ ‬الأوربية‭ ‬العصرية،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬المجازر‭ ‬حينها‭ ‬القلب‭ ‬النابض‭ ‬للحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬المحمدي،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬حركة‭ ‬دؤوبة‭ ‬للتجار‭ ‬والجزارين،‭ ‬بينما‭ ‬اصطف‭ ‬السكان‭ ‬لشراء‭ ‬اللحوم‭ ‬الطازجة‭ ‬أو‭ ‬تناول‭ ‬وجباتهم‭ ‬في‭ ‬المطاعم‭ ‬الصغيرة‭ ‬المحيطة‭ ‬بها‭.‬

لكن‭ ‬هذا‭ ‬الزخم‭ ‬تبدد‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن،‭ ‬وتحولت‭ ‬المجازر‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬مهمل،‭ ‬تعلو‭ ‬جدرانه‭ ‬التشققات،‭ ‬وتتآكل‭ ‬ألوانه‭ ‬الزاهية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬حيوية‭ ‬المكان،‭ ‬قبل‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬مشاريع‭ ‬جديدة‭ ‬لإعادة‭ ‬الحياة‭ ‬للفضاء‭.‬

عند‭ ‬التجول‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬المجازر،‭ ‬تتكشف‭ ‬صورة‭ ‬مختلطة‭ ‬بين‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر،‭ ‬فهناك‭ ‬تصدعات‭ ‬في‭ ‬الجدران،‭ ‬ونوافذ‭ ‬مهشمة،‭ ‬وبقايا‭ ‬أفران‭ ‬تقليدية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬كانت‭ ‬فيه‭ ‬المطاعم‭ ‬الصغيرة‭ ‬تزدهر،‭ ‬تقدم‭ ‬وجبات‭ ‬شعبية‭ ‬للسكان‭ ‬الذين‭ ‬قصدوا‭ ‬المكان‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بأجواء‭ ‬أصيلة‭.‬

في‭ ‬الجوار،‭ ‬تقف‭ ‬المحلات‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬عادت‭ ‬إليها‭ ‬الحياة،‭ ‬إذ‭ ‬بدأت‭ ‬بالفعل‭ ‬أعمال‭ ‬ترميم،‭ ‬حيث‭ ‬يسمع‭ ‬صوت‭ ‬أدوات‭ ‬البناء‭ ‬وتشاهد‭ ‬أكوام‭ ‬من‭ ‬الطلاء‭ ‬ومواد‭ ‬الإصلاح‭.

"‬بدأنا‭ ‬العمل‭ ‬لأننا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬المستقبل‭ ‬المشرق‭ ‬لهذا‭ ‬المكان"‬،‭ ‬يقول‭ ‬صاحب‭ ‬أحد‭ ‬المحلات‭ ‬القريبة‭.‬

في‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬يستعد‭ ‬طهاة‭ ‬محليون‭ ‬لتحويل‭ ‬المكان‭ ‬إلى‭ ‬وجهة‭ ‬سياحية‭ ‬تستقطب‭ ‬الزوار،‭ ‬إذ‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تضم‭ ‬المجازر‭ ‬بعد‭ ‬تأهيلها‭ ‬مطاعم‭ ‬ومقاهي‭ ‬حديثة‭ ‬تحتفظ‭ ‬بروح‭ ‬المكان‭ ‬القديم‭.‬

مشروع‭ ‬تأهيلي‭ ‬يعيد‭ ‬الأمل

خصصت‭ ‬السلطات‭ ‬ميزانية‭ ‬ضخمة‭ ‬بلغت‭ ‬170‭ ‬مليون‭ ‬درهم‭ ‬لإعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬المجازر‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬شراكة‭ ‬تشمل‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية،‭ ‬ووزارة‭ ‬الثقافة،‭ ‬ومجلس‭ ‬جهة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬سطات،‭ ‬وشركة‭ ‬التنمية‭ ‬المحلية‭. ‬

ووفقا‭ ‬للمخطط،‭ ‬فإن‭ ‬المشروع‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الترميم‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يهدف‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬المكان‭ ‬إلى‭ ‬وجهة‭ ‬سياحية‭ ‬وثقافية‭ ‬حديثة،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ "‬الدراسات‭ ‬انطلقت‭ ‬بالفعل‭ ‬لضمان‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الطابع‭ ‬التاريخي‭ ‬للمكان،‭ ‬مع‭ ‬إدخال‭ ‬تحسينات‭ ‬عصرية‭ ‬تجذب‭ ‬الزوار‭ ‬وتنعش‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المحلي".‬

السكان‭ ‬بين‭ ‬الترقب‭ ‬والتفاؤل

محمد،‭ ‬أحد‭ ‬سكان‭ ‬الحي،‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬تطلعاته‭ ‬قائلا‭:"‬المجزرة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬مكان،‭ ‬فهي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ذاكرتنا‭. ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬تعيد‭ ‬الحياة‭ ‬وتوفر‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬لشباب‭ ‬الحي"‬،‭ ‬أما‭ ‬زميله،‭ ‬فقال‭:"‬حين‭ ‬أعيد‭ ‬افتتاح‭ ‬محلي،‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬شيئا‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬أصالة‭ ‬هذا‭ ‬المكان،‭ ‬مثل‭ ‬الوجبات‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعد‭ ‬هنا‭ ‬قبل‭ ‬عقود".‬

ورغم‭ ‬التفاؤل،‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬المشروع‭ ‬من‭ ‬التحديات،‭ ‬فصعوبة‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬المعمار‭ ‬الأصلي‭ ‬وتحديثه‭ ‬ليواكب‭ ‬العصر‭ ‬تشكل‭ ‬عقبة‭ ‬رئيسية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إشراك‭ ‬السكان‭ ‬المحليين‭ ‬لضمان‭ ‬استدامة‭ ‬المشروع‭.‬

مع‭ ‬بدء‭ ‬الأعمال‭ ‬التمهيدية،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬المجازر‭ ‬القديمة‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬تحول‭ ‬جديد،‭ ‬فالمشروع‭ ‬يمثل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬عملية‭ ‬ترميم،‭ ‬إنه‭ ‬محاولة‭ ‬لإحياء‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬البيضاء‭ ‬وربط‭ ‬الحاضر‭ ‬بماض‭ ‬غني‭ ‬بالتاريخ‭ ‬والثقافة‭.‬

وحين‭ ‬يكتمل‭ ‬المشروع،‭ ‬قد‭ ‬تصبح ‭ "‬البوطوار" ‬مجددا‭ ‬قبلة‭ ‬للزوار،‭ ‬بمطاعمها‭ ‬ومحلاتها،‭ ‬محققة‭ ‬حلم‭"‬البيضاويين" ‬بإعادة‭ ‬الحياة‭ ‬لواحد‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬المدينة‭.