الخميس 28 نونبر 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

الدار البيضاء الكبرى: أزمة عمرانية عميقة تستدعي التأمل

كازا 24 السبت 12 غشت 2023

لم تسفر المخططات العمرانية الـ 35 التي تم إنجازها منذ الثمانينيات عن النتائج المتوخات منها، وذالك بتعثر عدد من مشاريع البنى التحتية الإستراتيجية، مثل الميناء والمطار و التوسع العمراني الغير عقلاني.

الدار البيضاء، أكبر تجمع ديموغرافي واقتصادي بالمملكة، تضم حوالي 70٪ من التجارة الوطنية، وهي موطن لـ 69٪ من الشركات الكبيرة وتمثل 63٪ من الودائع والقروض المصرفية، حققت بهم المدينة تقدمًا كبيرًا على مدى العقدين الماضيين وعلى مستويات عديدة، ومع ذلك، فإن العديد من القضايا المتعلقة بشكل أساسي بحوكمتها لها تأثير عميق على تطورها و نموها بشكل إيجابي أو كما هو مخطط له، بسبب الاستراتيجيات المعتمدة، لا سيما فيما يتعلق بالتخطيط البعيد المدى للمدينة.

الوكالة الحضرية للدار البيضاء، التي تم إنشاؤها في منتصف الثمانينيات، كانت أول تجربة في هذا المجال في المملكة؛ أنتجت أكثر من 35 مخططًا عمرانيًا يخلو من أي بعد طويل المدى نتج عنها الوضع الكارثي الحالي، والذي كان من الممكن تجنبه بدون هذه المؤسسة.

و يكشف المشهد الجوي للمدينة ومحيطها عن حجم المشكلة، هذه الصورة كافية لاستنتاج أن المدينة لم تعرف التخطيط الحضري من قبل، وأن التنمية مدفوعة بالأفعال وليس التخطيط، أما بالنسبة للتجمعات الحضرية بضواحي المدينة (تيط مليل أو مديونة على سبيل المثال)، فلا نعلم ما إذا كانت قرية أم مدينة أم منطقة صناعية، كل شيء مختلط و عشوائي، طرق متداعية وتجمعات بشرية غير مقننة مع مزارع ووحدات صناعية مختلفة الأحجام، حيث تندمج البادية بالحاضرة، وفق إدريس أفينا الإقتصادي والأستاذ الجامعي المتخصص في التخطيط الحضري.

فبسبب البيروقراطية والإفتقار إلى الرؤية والإلتزام الصارم بالنصوص القانونية، رفضت الوكالة الحضرية بالدار البيضاء خلال السنوات الخمس الماضية أكثر من 80٪ من المشاريع الإستثمارية، مما حرم الإقتصاد الوطني من آلاف الوظائف وعائدات ضريبية كبيرة. 

وأضاف إدريس أفينا في حوار خص به (Finances News Hebdo)، الدار البيضاء هي أكبر قطب صناعي وطني، ومع ذلك، يظهر منظر جوي أن أكثر من 60٪ من الوحدات الصناعية منتشرة بشكل عشوائي خارج المناطق الصناعية المخصصة داخل وحول المدينة، وهذا يؤكد الغياب التام لأي مخطط للمناطق الصناعية، مما يجبر المشغلين في هذا القطاع إلى البحث عن موقع في أي مكان، وهو نموذج فريد من نوعه في جميع أنحاء العالم، متسائلا: «كيف ستتطور الصناعة في المدينة؟»، «كيف يمكننا إنشاء مركز حضري عالمي، وجذب الإستثمار الأجنبي في هذا الوضع المحفوف بالمخاطر الذي يمثل تحديًا لنا جميعًا؟».

و يضيف ذات المتحدث، أن عددا من البنى التحتية الإستراتيجية تتأثر بالتوسع الحضري، مما يضعف دورها في التنمية، منها ميناء الدار البيضاء ومطارها الدولي، ناهيك عن المناطق الصناعية النادرة التي أصبحت الآن محاطة بالمناطق السكنية، مشيرا على أن المدينة لم تتمكن حتى الآن من التخلص من العشوائيات القديمة، كما أنها فشلت في حل أزمة النقل الحضري أيضًا،إذ أصبحت المشكلة شبه مستعصية على الحل رغم الإستثمارات الكبيرة التي قامت بها الدولة، وهذه الأزمة لها تأثير كبير على الأداء الإقتصادي للمدينة التي تطمح إلى الإعتراف بها على مستوى العالم.

وأوضح الخبير الإقتصادي، أن «الوضع في المدينة يعيق تطورها، وحتى تطور البلد ككل ما دامت تعتبر قاطرة للإقتصاد الوطني، بحيث لم تسفر الخطط العمرانية عن النتائج المتوقعة، لكنها أنتجت بدلاً من ذلك مدينة مقيدة بالأغلال الحضرية، علما أنها مدينة تكافح من أجل المنافسة عالميًا، وفي هذا السياق، من الضروري التشكيك في الأدوار الجديدة للوكالة الحضرية للدار البيضاء والمجلس الجماعي والمؤسسات المختلفة بالمدينة، وكذلك مدى فعالية أدوات التخطيط العمراني المستخدمة ونوعية هذا التخطيط».