بعد أن شكلت منذ زمن طويل أحد المكونات الرمزية لتراث منطقة دكالة ومدينة الجديدة على وجه الخصوص، أضحت منارة سيدي بوافي والنقوش البرتغالية اليوم، عاملا للإشعاع على المستوى الوطني وحتى الدولي.

وفي إطار الجهود المبذولة للحفاظ على هاذين العنصرين من الثروة التاريخية والتراثية للمملكة، قامت وزارة الشباب والثقافة والتواصل، مؤخرا، بتسجيل، بشكل رسمي، منارة سيدي بوافي والنقوش البرتغالية المنحوتة على الحجر بالجديدة ضمن قائمة الآثار التاريخية الوطنية.

ويهدف هذا القرار، الذي نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 24 أكتوبر 2024، إلى حماية هاذين الموقعين اللذين يعتبران شاهدين على التاريخ والتراث المغربي الغني والمتنوع.

وشيدت منارة سيدي بوافي، على ارتفاع 67,2 مترا فوق سطح البحر، ويبلغ طول برجها 46 مترا، والذي يبعث إضاءة قوية يمكن رؤيتها على مدى أزيد من 30 ميلا بحريا.

هذه المنارة، التي تم بناؤها ما بين سنتي 1914 و1916 من طرف سجناء ألمان، تشكل، حسب الجيلالي ضريف، الكاتب العام لجمعية ذاكرة دكالة، "مثلثا استراتيجيا إلى جانب منارة كيب سانت فنسنت (البرتغال) ومنارة ترافلغار (إسبانيا)، مما يعطيها بعدا معماريا وثقافيا إضافة إلى دورها في الملاحة البحرية".

وأبرز السيد ضريف، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أيضا أهمية الدور الرمزي الذي تضطلع به المنارة باعتبارها تراثا محليا، مشيرا إلى أن مجموعة من الأساطير الشعبية التي تجمع بين الحقيقة والخيال، تحيط بهذا المعلم التاريخي. وهو ما اعتبره السيد ضريف، تجسيدا للعلاقة التي تطورت على مر العقود بين الساكنة المحلية وهذه المعلمة التاريخية المتميزة.

وتشكل النقوش المنحوتة على الحجر للمدينة البرتغالية، الموقع الثاني الذي تم تسجيله ضمن قائمة الآثار التاريخية الوطنية لمدينة الجديدة.. ويعود تاريخ هذه النقوش إلى الحقبة الاستعمارية البرتغالية في القرن السادس عشر، وهي تذكر بتأسيس مازاغان وخصائص المعمار البرتغالي الحاضر في مختلف المباني التاريخية لهذه المدينة الساحلية.

وفي هذا السياق، أبرز أبو القاسم الشبري، عالم الآثار ومدير مركز دراسات وأبحاث التراث المغربي-البرتغالي بالجديدة، أن هذه النقوش، التي تم اكتشافها جزئيا بفضل الأبحاث في بداية القرن العشرين، تكشف عن جوانب غير معروفة من التاريخ والتأثير المتبادل والتبادل الحضاري بين المغرب والبرتغال.

وهكذا، يضيف  الشبري، في تصريح مماثل، فإن الخصائص التاريخية لهذه النقوش تحمل آثارا من التواجد البرتغالي القديم، معتبرا أن قرار الوزارة الوصية يجسد التزام المغرب بتثمين وحماية الشواهد المعمارية الفريدة لماضيه، وبالتالي تحسيس العموم بأهمية الحفاظ على هذا الموروث.

واعتبر  الشبري أن "حماية هذه المواقع تأتي استجابة لنداء الجمعيات المحلية واعترافا بقيمة هذه المآثر التاريخية والثقافية". ومن خلال هذا الإجراء الهام، تسلط الوزارة الضوء على الغنى التاريخي لمدينة الجديدة، وهو ما من شأنه تشجيع أبحاث جديدة للحفاظ على الإشعاع الثقافي لهذه الآثار المعمارية الفريدة، التي تقف شاهدة على التاريخ الفريد للمملكة والرغبة في جعلها رافعة للتنمية في الحاضر والمستقبل.

يشار إلى أن قرار تسجيل منارة سيدي بوافي والنقوش البرتغالية المنحوتة على الحجر في مدينة الجديدة ضمن قائمة الآثار التاريخية الوطنية، يندرج في إطار تنزيل القانون رقم 22.80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية، والذي يهدف إلى حماية وصون التراث المغربي من العبث والإهمال.

وينص القرار على منع إجراء أي تغييرات على المآثر التاريخية بدون ترخيص مسبق، مستجيبا بذلك لدعوات المجتمع المدني المحلي وعدد من الخبراء.