الثلاثاء 26 نونبر 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

جلال كندالي يكتب .. سطات بلادي

كازا 24 الأربعاء 4 ماي 2022

جلال كندالي/ صحافي بجريدة الاتحاد الاشتراكي 

سطات بلادي، هكذا  كانت، وستظل  في القلب إلى الأبد،

وأنا  أتجول في شوارعها  وأزقتها  وأمكنتها  بما في ذلك التي  غيرت  ملامحها  عن قسر أو طواعية، شدني  الحنين  إلى  أيام خلت، وكأنها البارحة، لقد شحذت فعلا،ذاكرتني وجعلتني أستحضر المزيد من الصور بالأبيض والأسود  وبالألوان،  ووجوها وأسماء ساهمت في تشكيل وعينا المبكر ، ومواقف وطرائف  كأنها حدثت بالأمس القريب ، صور  جعلتني أتلمس صدقنا العذري،  و كذلك شيطنتنا  البريئة، التي كنا نتواطؤ من أجل ترجمتها إلى مواقف هزلية  ونحن نضع  فخاخ المصيدة  لرفاقنا،وتذكرنا  أن السنوات والعقود التي مضت  ،ما هي إلا مسافة نفسية، نكاد نطويها  بنقرة واحدة وفي أقل من لمح البصر،ونحن  نتصفح  ونتتبع ما كتب عن عاصمة الشاوية بحب  واشتياق كبيرين .

سطات، سقفنا  الجماعي لكل أبنائها ومحبيها  ،أكيد  كل واحد فينا له نفس القناعة والإيمان، سطات مظلتنا التي حمتنا  وتحمينا من صهد الزمان إن غدر، وبيتنا الذي نأويه  حين يتسلل الخوف إلى قلوبنا،بعدما خرجنا  إلى ساحة معركة الحياة، لانحمل  معنا  إلا قلوبا  مليئة  بحب الآخرين قبل حب أنفسنا  كما تربينا على ذلك. 

سطات  هي أكثر  وأكبر  من مدينة  وبنايات ،ومن أزقة وشوارع  ومقاه، كبيرةوشامخة ،بناسها  الطيبين بمن فيهم  أولئك  الذين  ننعثهم  بالجنون  من بخا  وبوكرين ،مرورا  بكل  "الأولياء  الآخرين  "في كل جيل  ،إلى  مصطفى  السيسي، إنها امرأة ساحرة بالمعنى  الذي اتصفت به الساحرات  في البدايات، قادرة على قراءة النبوءة في ظلمات المجهول،وفك طلاسيم الغموض والتيه ،لذلك  تبقى سطات الوجهة والقبلة دائما، كل  الهواء الذي نتنفسه  خارج  حضنها  لايليق برئاتنا،  صدقوني أحس دائما بضيق خارجها ، هكذا جربت البعد  عنها مرغما،وحين تجرني جاذبيتها ، أتذوق  طعمها، أقسم إن رائحتها فريدة  لا أحد يشبهها، أجدني أفتح باب نافذة السيارة، وفي سلوك طفولي  أغرف  الهواء  كأنه قربة ماء، وأصيح بملء صوتي "سطااااات بلادي "،حتى  أصدقائي اعتبروني أنانيا، رغم أنهم يعلمون علم اليقين أنني  لا أؤمن لا بالعصبية  ولا بالقبلية، لكن دائما  أواجههم  بالقول، مهما سافر  الإنسان إلى أي بلد ولو إلى القمر أو المريخ، فدائما لن ينسى مسقط الرأس والهوى، واستشهد بقول الشاعر، نقل فؤادك حيث شئت من الهوى  ما الحب إلا للحبيب الأول، كم منزل في الأرض  يألفه الفتى  وحنينه أبدا  إلى أول منزل.

في سطات،لعبنا  حتى الثمالة  كرة  القدم، وأتذكر كيف لفريق من دالاس  كنت  أحد مدافعيه يتعادل ذات رمضان  في ملعب الحمري مع فريق آخر لعب معه جل لاعبي النهضة السطاتية، الركبي  وخالد راغب وغيرهما، في سطات  كنا كل فجر  نطوي العديد من الكيلومترات بأرجلنا  ونحن نركض إلى  الغابة، في سطات  مارسنا لعبة  الكراطي، وأتقنا لعبة السلسلة -مازلت محتفظا بها إلى اليوم-،حين أغرمنا  ببريسلي،دون أن أن نفكر لحظة في الاستقواء على غيرنا.

في سطات ،كانت بداية  الحلم ،حلم  بغد أفضل للبشرية جمعاء، هذه القيم زرعها  فينا أساتذتنا  الذين  تتلمذنا على أيديهم  وهم كثر ، منهم  أستاذي  سي بغداد  بمدرسة لعروسية  والأستاذ  الموساوي بذات الإعدادية الذي  كان يجسد  لنا شخصيات "البؤساء "لفيكتور هوغو، وكيف  كنا  نتتبع  شرحه بلغة موليير  وتجسيده  لهذه الشخصيات  ،وكأننا  نتتبع  الأزلية  سيف ذي اليزن  وقصة عنترة بن شداد  وحبيبته  عبلة  أو "الهاينة والغول "وصابرا  وحديدان لحرامي  وغيرها من الحكايات الشعبية  التي كانت تحرضنا على التخييل بدل التشخيص،وساهمت في توسيع مخيالنا حقا.  

في  ثانوية الرازي أيضا، حيث ازداد شغبنا، وخلقنا "عصابة "دراري ودريات"، مهمتها  إنجاز  المقالب  في تلامذة ثانوية ابن عباد  ، وكيف  كنا  نصطاد  "لغشميين "،من زملائنا  وزميلاتنا  ،ونطلب منهم  أن يشتروا  لنا "صاروخا، "من صاحب دكان  بجوار  ثانوية الرازي، الذي كان لايتحمل سماع   هذا الاسم،  قبل  أن "يشير  "عليه بعكازته، وفي كثير  من  الأحيان يصاب رسولنا "،الساذج"بجروج متعددة  .

وكيف  كان الفقيد السماعيلي  رحمه الله  يتدخل بصفته حارسا عاما ،بين التلاميذ و الأساتذة إن كان هناك سوء تفاهم بينهما،وكيف كنا نعاند بعضنا البعض  ونجتهد للمساهمة  بأفضل  ما نكتبه ونصفه شعرا آنذاك بالسبورة الحائطية، وكيف نتباهى ب"،إبداعنا "حين يتافعل  معه زملاؤنا  خاصة التلميذات "هداك النهار ماقدنا حد ".لأنك تعلم  علم اليقين أنك ستترقى بين أقرانك، وسيتوجه إليك  الجميع من أجل مساعدتهم في كتابة  رسائل الحب الطائشة ،وكم مرة كنا  شهداء وشركاء  في  معارك، سقط  ضحيتها العديد  بنيران صديقة. 

هناك  مدارس أخرى، تعلمنا  فيها الشيء  الكثير ، تعلمنا  ونحن ننخرط في النادي السينمائي، الذي كان يجمع كل مثقفي مدينة سطات،  كيف نقرأ  الصورة في كل أبعادها، وفي دار الشباب،  تعلمنا  ما معنى المواطنة  ونكران الذات و العمل  التطوعي،  نستحضر  هنا  الفقيد  المسرحي والشاعر  سعيد سمعلي رحمه  الله، كيف أطرنا  بدار الشباب، وكيف فتح  لنا  مكتبته  لننهل من أمهات الكتب،وأتذكر أن  آخر كتاب  قرأته من خزانته  كان  ديوان شعر  لديك الجن ،وشرح لنا  كيف أدى الحب بهذا الشاعر المجنون  إلى حرق حبيبته ليصنع منها كأسا يشرب فيه الخمرة، إلى  غير ذلك من القصص والحكايات  والذكريات  التي ولدت  في رحم  أمنا  جميعا ،رحم مدينة  اسمها سطات.