الفنانة الألزاسية إيزابيل باوير تخوض تجربة سحر حدائق المغرب (16 صورة)
عرضت مؤخرا الفنانة التشكيلية إيزابيل باوير ( مواليد ألزاس 1967) جديد أعمالها الإبداعية ضمن فعاليات الأحداث الإبداعية لفضاء كازا ديلارتي بالدار البيضاء. في ما يلي تأملات حول تجربتها الفنية التي تزاوج بين البحث و التجريب في عالم التصوير الصباغي و الفوتوغرافيا.
آمنت إيزابيل باوير من خلال مصاحبتها للريشة و القماش بأن حكمة الفن البصري ابنة المحبة و الجمال: حكمة تنبع من داخل الذات لا من خارجها. شجرة مغروسة على ضفة نهر الجمال. منهل عذب تستقي منه النفوس العطشى.
هكذا، تبدو فضاءات لوحاتها بعيدة و قريبة ، منظورة و محجوبة. فهي عوالم سحرية تتعالى على الحياة الترابية، و تناهض المجاعة الروحية. عوالم ترجع إلى أمهات مصادرها بحكم الطبيعة ، جاعلة من كل لوحة غيض من فيض، و شذرة معنوية أنارها الحب الداخلي ، و أفعمها الشوق إلى الأصل.
طوبى للمغرب فقد جعل هذه الفنانة على غرار عدة فنانين عالميين(ماتيس، دولاكروا، دوستايل، ماجوريل...الخ) تفكر بضمير المفرد بصيغة الجمع . فسحر طبيعته ، و سخاء سكانه نصفها الجميل، وعينها الثالثة التي فقدتها داخل كوابيس العولمة الموحشة. يخيل إلي و كأن إيزابيل تهمس في أذننا منشدة : آه، ما أعظم جمال المغرب. إنه حياة هذه الحياة!
تحتفي أعمالها التشكيلية ببلاغة اللون و الشكل، مستعيدة سحر حدائق المامونية بمراكش عبر فضاءات تصويرية تزاوج بين ا التعبير الانطباعي ، و التجريد الغنائي. ها هي تزهو بالإرث الحضاري المشترك بثقة حازمة ، و خطى حثيثة دونما جلبة أو عجعجة. تراها متماهية مع عوالمها الداخلية التى تؤثث حالاتنا الروحية على امتداد مساحات إيحائية تدعونا للسفر، و ارتياد مجاهل الذات. نحلق بدون أجنحة ، علنا نرقى بأحاسيسنا السماوية إلى مدارك الروح. تحدق الفنانة إيزابيل باوير إلى النور الطبيعي المغربي بعيون يقظة ، و تقبض على لحظاته الهاربة بأنامل وديعة ، منصتة لنغمات الروح من وراء ضجيج الحضارة المدنية ، و جلبة سكانها. ألوان المغرب الناصعة والبهية فتحت بصيرتها، و طيبوبة المغاربة جلت نظرها الداخلي، و الرأسمال الطبيعي علمها لغة القلوب و العقول معا. عندما تسألها عن سر الجمال البصري، تجيبك بلكنتها الواثقة : " أنا مفتونة بالأشكال المنبثقة من زهرة ، من لحاء شجرة ، أو من قطع جذوعها وأغصانها ، أقوم بالتصوير الفوتوغرافي لقامة النساء ، مظهر الجسد ، انتعاش الشعور . الرسومات المصغرة تبطئ النظرة الفوتوغرافية الأولى و تجردها من أجل ترك بديهيات ملونة عبر الصباغة المائية. خفة الورقة تفسح المجال لنسيج اللوحة. تنحت الفرشاة ، تصبح ثقيلة أو سرية ، تاركة فضاءات على اللوحة ، مثل تمزقات قصة أو أنفاس حوار ".
أهدت إيزابيل باوير كل عوالمها الفنية التي أنجزتها بالمغرب إلى الأرواح المتحررة من قيود المادة، معتبرة الإبداع مجازا بصريا يعانق الحقيقة و يشاكسها بشغب و حكمة. إنها حقائق من سيرتها الذاتية التي انطبعت بتأملاتها الرومانسية ، حيث تأثرت بمحيطها الفني و الثقافي الذي احتضن الفنان ذي الأصل الروسي أدولف غروزير والمقترن مجده الإبداعي بمسار الفنان العالمي غوستاف كليمت.
هكذا تفصح أبحاثها الإبداعية عن هوس شديد بالحقائق الذاتية التي تبين أسرار النفوس، و تذكي شرارات التحليل و التأويل. فعلى مسرح أحلامها المذكورة، رأت إيزابيل باوير جمال المغرب عريسا، و طبيعته الحية عروسا، و الإقامة الاختيارية به ليلة زفاف متجددة. إن الفن، كما تتصوره الفنانة إيزابيل باوير ، ديانة باطنية، و حياة مقدسة. أليس الجمال دين الحكماء كما ورد على لسان شاعر هندي؟ أليس الجمال، أيضا، نصيب المتأملين بتعبير جبران خليل جبران؟
يقول في حقها الفنان آدم المحفوظي :" بعد اشتغال على الصور الفوتوغرافية و الرسومات التمهيدية ،بادرت إيزابيل إلى تبسيط الشكل. رسمت الخطوط التي استهوتها. اختارت الشكل المربع ، بعد تركيبة مستقيمة ومطمئنة ، ثم تحررت وتحولت إلى تركيبة منحنية تعكس الشحنة الحسية التي تستوحيها الفنانة من الطبيعة . قبل التصوير الصباغي ، أنجزت إيزابيل عدة رسومات تخطيطية بالصباغة المائية ، وهي وسيطها المحبوب الذي يسمح لها بتعميق بحثها على المستوى التركيبي."
عبد الله الشيخ
ناقد فني