الاثنين 25 نونبر 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

تشكيل المنسي والمتلاشي في معرض «كاغد» في الدار البيضاء

خليفة الدرعي الثلاثاء 18 دجنبر 2018

خليفة الدرعي / عن:القدس العربي 

يعتبر معرض «كاغد»، الذي يقام في مدينة الدارالبيضاء، مابين11 دجنير الجاري  و25 يناير المقبل بڤيلا الفنُون المتواجدة بشارع ابراهيم الروداني في الدار البيضاء ، من بين التظاهرات القليلة، التي ساهمت في خلق دينامية وحيوية في المشهد التشكيلي المغربي خلال هذه السنة، إلى جانب المهرجانات القليلة وإقامات الفنانين المغلقة والنخبوية.
كان المعرض أكبر من مجرد عرض تشكيلي يوحده الأسلوب والثيمة، لأنه جمع أعمال فنانين رغم اختلاف توجهاتهم الأكاديمية، اشتغلوا على إشكاليات الفن المعاصر في إطارها الثقافي العام وحول مواضيع تهم الحوار والتواصل في ظل أزمات الحداثة التي لا تنتهي.
وتشكل التمظهر الفني لتلك التساؤلات والإ شكاليات في أعمال الفنانين المشتغلة على ثيمات فلسفية ووجودية، عبر ثنائيات: الذاكرة والنسيان /الحضور والغياب/المعقول واللامعقول/الظاهر والباطن..
معرض «كاغد» المقام في «دار الفنون» في الدارالبيضاء المغربية، شارك فيه كل من الفنانين: بشير أمال ـ مصطفى الرملي ـ عماد منصور ـ حسين ميموني ـ خديجة طنانة .مبدعون رغم اختلاف أساليبهم الجمالية، اجتمعوا بعشق ممزوج بالقلق حول ثيمة «الورق»، في ما يشبه «جذبا» روحيا للبحث في تفاصيله وتضاريسه، عن ذواتهم الهشة والحائرة في زمن الحداثة وما بعدها، مجترحين أفقا جديدا للسؤال الجمالي، عبر تجريد الورق من العناصر التشكيلية المعهودة التي تكون الشكل الدال. إنها مغامرة البحث عن اللحظة الأولى والفضاء الخالص، متجلية في عنف التمزيق والتقطيع ثم التركيب بنوع من الاختزال والتبسيط في ما يشبه طقسا غريبا، أو صلاة واجبة في حضرة بياض الورق الفاتن.. هذا البياض الذي قال عنه في تقديمه للمعرض: «هو كجناح عصفور، خشن ومرن، إنه المتلاشي والدائم، المعنى واللامعنى، الذاكرة والنسيان» فللاشتغال على الورق بعده الدلالي والصوفي، عبره يتم التقاط ما تلاشى من الذاكرة وما تسرب في الزمن وضاع، إنه المادة الخام المتخفية وراء العناصر التشكيلية، يصير مجرد خلفية لتألق الأعمال الفنية برموزها وعلاماتها.

ثيمة المعرض هي «الورق»، ليس كسند وخلفية ولكن كعنصر تشكيلي يستعيد كينونته الجمالية أثناء العرض، لذلك تتجرد أعمال المعرض من ثقل اللون والشكل تاركة للأوراق حرية الزهو بعريها الأبيض، مكسرة مقدس الجمال ومخلخلة انتظارات المشاهد لأنها تصدمه بالأصل والبداية، فحقيقة العمل الفني هنا لا تحتاج لوسيط تقني يبررها، تكتفي بصدمة الانكشاف.

يشتغل الفنانون في هذا المعرض على المنسي والمتلاشي من الأوراق، لطرح أسئلة تتعلق بعنف المقدس (أعمال خديجة طنانة) والمنسي (أعمال بشير أمال) أو الهجرة والحدود (أعمال عماد منصور) ثم الرمز والعلامة (أعمال ميموني) والظل والضوء (مصطفى الرملي) وهنا ينتصر الحس الجمالي على المنطق النفعي والاستهلاكي، حينما يحول المهمل إلى رموز تنعش الذاكرة وتولد الحكايات.

بشير أمال

يقوم بشير أمال بترميزعناصر عمله التشكيلي، فكل عمل هو حكاية وحلم ضاج بالإشارات التي لا توصل إلى مكان محدد، فقط تزيد في الحيرة وضياع المعالم، أعمال بقدر ما تنهك الفكر، تؤجج فعل التساؤل وبقدر ما هي مستفزة ومقلقة، تصير في النهاية أكثر رهافة وشاعرية بتوظيفها أشكال، القلوب.. نوتات الموسيقى.. الأرقام بألوان هادئة. الفنان يطرح الأسئلة المعاصرة والوجودية بالرموز القديمة والحديثة.

مصطفى الرملي

هو فنان مخلص لمقولة أرسطو «إن التفكير مستحيل بدون صور» لذلك فهو لا يعتبر الصورة الفوتوغرافية عملية إنتاج ولكن إعادة تركيب. إن فعل التصوير لديه هو بحث وتفكير مستمر عن الأسلوب الذي يعكس حساسيته وموقفه من خلال الاشتغال على مخزون الذاكرة والمزج بين تقنيات التصوير ومفردات العــــمل التشكيلي، ما يسر له هذا الغنى الذي نلحظه في اللعب الحر بتقنيات الصورة وطريقة إنتاجها. أعماله تكشف «تابوهــــات» المجتمع التقليدي حيث تصير العملية الفنية وسيلة تعرية لأعطاب الذاكرة والمتخيل.

عماد منصور

ينتمي عماد منصور للفن المفاهيمي، القريب من نبض الشارع وقضايا العصر. فنان يشتغل على جبهات فنية عديدة النحت ـ التنصيبات ـ فن الفيديو … برؤية تنبني على مفاهيم فلسفية عميقة، تعالج قضايا الساعة وتجعل الفن في خدمة الإنساني. أعماله شهادة حية عن عذابات اللاجئين وغرقى المحيط الأطلسي .. فالفنان يكفن كل أعماله بورق الجرائد القديمة لتصير مجسماته أشبه بجثث ثقيلة، تختزن في صمتها حكايات كثيرة وصادمة عن زمن الحرب والعبور والثنائية الإخفاء والإظهار هذه قدرة كبيرة في الدفع بالمعنى إلى أقاصيه البعيدة حد الصدمة.

خديجة طنانة

تبدو الأجساد في تجربتها متحررة ومتشابكة بنوع من الشبق والحيوية النافرة، فهي كفنانة ملتزمة بقضايا المرأة والإنسان توظف تعبيريتها في تعرية المسكوت عنه وتؤجج فعل التساؤل حول الكثير من المناطق الرمادية.. تعرض خلال هذا المعرض، جدارية كبيرة هي عبارة عن» كف يد» أو «خميسة» كما تسمى بالدارجة المغربية على الورق وتتضمن تشكيلات للأوضاع الجنسية ولكن بطريقة استيطيقية، وهو العمل نفسه الذي تعرض للمنع من العرض في مركز الفن المعاصر في مدينة تطوان، تحت ذرائع أخلاقية بعيدة عن الحكم الجمالي المحتكم لما هو استيطيقي.

حسين ميموني

تبدو تخطيطاته على الورق أشبه بطلاسم بعيدة في الزمن، يصعب فك رمزيتها، رغم بساطة تكوينها التشكيلي ولكن شكلها الدال يحيل على الموروث البصري، كما أن العلاقة مع الورق في تجربته يؤطرها البعد الصوفي، الذي يكشفه هذا الاختزال والتجريد الذي يقترب من درجة الصفر في الرسم والتشكيل.

٭ كاتب وفنان مغربي