الأحد 24 نونبر 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

السينما والشعر : تفاعل عوالم الصور الأدبية والفنية بطريقة مغايرة

كازا 24 الاثنين 7 نونبر 2022

عبد اللطيف الجعفري/وم ع

في خطوة فريدة تكشف عن استمرار التفاعل بين مختلف الأشكال التعبيرية الأدبية والفنية برز خلال السنوات الأخيرة نقاش حول العلاقات الممكنة بين السينما والشعر على المستوى الوطني، ومدى استفادة المشهد الفني من هذا التلاقح الذي يندرج ضمن ما يسمى التهجين (hybridation ).

فالتهجين، الذي انتقل عمليا من مجال البيولوجيا إلى الحقل الأدبي مع عدد من الكتاب والنقاد الذين عملوا على استعارة تقنيات شكل تعبيري صوب شكل آخر، كما فعل الكاتب المصري أدوار الخراط في ( رامة والتنين) والسوري سليم بركات في ( الريش) من خلال استثمار بعض تقنيات الشعر في الكتابة الروائية، كان قد وجد له مستقرا في عالم الفن السابع بالحديث عما يسمى” السينما الشعرية “.

الأمثلة كثيرة في هذا السياق مع وجود أفلام كثيرة تصنف ضمن السينما الشعرية من ذلك (الكلب الأندلسي 1929) للويس بونويل، و(الجميلة والوحش 1946) لجان كوكتو، و(ستحملنا الريح 1999) لعباس كياروستامي، و(دائرة الشعراء المفقودين 1989) لبيتر وير، و(المهاجر 1994) ليوسف شاهين.

على أن الهجرات المتبادلة لأشكال تعبيرية صوب أخرى كثيرة ومتنوعة، فالرواية تهاجر نحو السينما كما حدث مع بعض أعمال نجيب محفوظ، كما هاجرت صور ورسومات نحو الشعر كما فعل كتاب مغاربة.

وفي ثنايا العلاقة بين السينما والشعر وشعابها على المستوى الوطني صدر مؤخرا كتاب” الشعر والسينما” وهو مؤلف جماعي نشره بيت الشعر في المغرب سنة 2022 ، بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل.. تنسيق عبد السلام المساوي ومحمد اشويكة.

نشر هذا الكتاب، الذي ضم مداخلات ندوة عقدت في نونبر 2019 بمبادرة من بيت الشعر في المَغرب والجمعية المغْربية لنقاد السينما، في هذا الوقت تحديدا، يدل على أهمية استمرار العلاقة بين الفن السابع والشعر.

فتناول هذه العلاقة من خلال كتاب ” السينما والشعر” يعني بكل بساطة إمكانية بلورة أفكار مستقبلا بشأن العلاقات الممكنة بين الشعراء والمشتغلين في مجال السينما بالمغرب، خاصة المخرجين الذين جربوا أشكالا متنوعة في بناء عوالم أعمالهم السينمائية.

بيت القصيد في هذه العملية برمتها هو أن للشعر صوره الخاصة التي يتم نسجها من خلال اللغة ومشاهد مجازية، كما أن للسينما صورها المتفردة التي تعتمد على مشاهد متحركة .. فكيف تستفيد صور ومشاهد الفن السابع من الصور الشعرية ؟

كتاب ” السينما والشعر” يقدم بعض الإجابات من خلال القول إن الأمر يتعلق ” بمضاعفة زوايا النظر وفحص طَرائق استفادَة الشعرِ من فنِّ السينما وتِقْنياتها التعْبيريَّة، واسْتدماج ذَلك في مُكوناتِه الفنيَّة الدَّالة، وبالمُقابل اسْتكناه تَحوُّل الشِّعر مادةً سائِغة تَسْتوعبُها لُغات السِّينما وتِقْنياتها، وذلك منْ أَجْل بِناء أفْلام بقَوافٍ مرْئيةٍ ومَجازاتٍ ضارِبة في أقَاصي الْجَمال والحُلم”.

وحسب إجابات هذا الكتاب دائما، فقدْ ” أبانَت الْمُداخَلات العَلمية المُتنوعة الَّتي سَاهم بِها مَجموعَة منْ نقادِ السّينما ومنْ نُقاد الشّعْر عنِ الآفاقِ الَّتي فتَحها السّينمائيون والشُّعراء في سِياق التَّواصُل الْجَمالي بيْن فَني الشعر والسِّينما، كمَا أبْرزوا مُختلف السِّياقات التِي تمَّ فيها هَذا التَّلاقُح بيْن هذيْن الفَنيْن الرَّفيعيْن”.

هناك إذن آفاقِ فتَحها السّينمائيون والشُّعراء.. والمفاتيح في كل ذلك هي كلمات ” التلاقح ” و”الاسْتدماج ” و”الاسْتكناه “.. وفي التنزيل العملي لهذه الآفاق هناك رغبة مشتركة تجمع الشعراء والسينمائيين من أجل إنجاز أعمال مشتركة.

على أن الدخول في التفاصيل العملية، حسب بعض المتدخلين في هذا الكتاب الذي سيكون لنشره ما بعده، يطرح بعض الإشكاليات الجدية.. فالناس تعودوا على اعتبار الشعر فناً عصيّاً وغامضاً يستلزم تلقيه معرفةً عميقة ومرجعياتٍ واسعة، علاوة على التمكُّن من علوم الآلة وتطور الاتجاهات البلاغية والشعرية في العالم، في حين ظلت الشاشة الفضيّة رديفة لحكايات متناسلة وقصص متواترة لا يتطلب تلقيها وفهمها سوى معرفة بلغة الحوار الدائر بين أبطال الفيلم وشخصوصه.

وخارج إطار مضامين الكتاب، وضمن هذا النقاش ربما قد تبرز تباينات وآراء .. فالشعر ليس وحدة متجانسة تقع دوما ضمن دائرة ما هو مستعصي .. مثلا شعر محمود درويش يصنف في خانة السهل الممتنع الذي وجد فيه مارسيل خليفة شغفه وحول بعضه الى أغاني جميلة، في المقابل هناك أشعار عصية فعلا على الفهم حتى قال أحدهم يوما للشاعر أبي تمام ” لماذا لا تقول ما يفهم ” فأجابه ” لماذا لا تفهم ما يقال “. كما قيل عن شعر الشاعر العباسي الفرزدق إنه كمن ينحت في حجر نظرا لصعوبته.

هذا يعني من ضمن ما يعني أن ديوانا ما أو مجموعة شعرية قد يعاد كتابتها بشكل يصلح للسينما وهو ما قد لا ينطبق على مجموعة أخرى.

ومن أجل الخروج من هذا الإشكال، الذي لم يغب طبعا عن بال المساهمين في الكتاب / الندوة، هناك توجه يرى أن المهتمين يمكنهم فتح ما انغلق من حدود التمييز بين الأنواع الأدبية والفنية خاصة مع تطور نظريات التلقي وتقدم الدراسات السيميائية للظواهر الفنية، وما عرفته كذلك اللغة الشعرية من تحولات كبيرة من خلال إوالياتِها وشفراتِها التي وسعت مفهوم الشعر في حد ذاته، علاوة على تطور الاتجاهات والمدارس السينمائية في العالم وانزياح عدد من المخرجين وكتاب السيناريو عن المألوف.

وتبقى نقطة التلاقي في المغرب والعالم، هو السير على نهج شعراء لهم القدرة الكبيرة على الانتقال إلى السينما من خلال كتابة سيناريوهات وإخراج أفلام نذكر من بينهم: أبولينير Apollinaire وسندراس Cendras وديسنوس Desnos وبريفر Prévert، وغيرهم.

فإذا كان لكل فيلم رؤية يتم بلورتها بشكل جماعي أو فردي، فإن طرق الاستثمار والتصوير وزوايا النظر والتقطيع والمونتاج، هي التي توضح كيفية التعاطي مع الشعر ، بل كيف يتم تحويله حتى يؤسس لعوالم سينمائية.

هنا تحديدا تتدخل موهبة وحرفية القائمين على إنتاج أي فيلم .. ورغبة الشعراء في الانفتاح على الفن السابع، بشكل يمنح قيمة مضافة للفن السابع والشعر، ويتيح للمتلقي أنماطا مغايرة عما ألفه.