عرفت هذه المرحلة الكثير من التحولات المتناقضة في مشهدنا المسرحي في ارتباطه بمؤسسات الدولة ، لذلك عملت هذه الأخيرة بكل هياكلها على بناء علاقة جد ملتبسة مع أبي الفنون من أجل إخضاعه لشروط تضع في الحسبان منفعة الدولة فوق كل اعتبار حتى يكون هذا المسرح يوفق بين الدعاية السياسية والارتماء في أحضان الوطنية، خصوصا وأن أواسط السبعينيات وبدايات الثمانينات كانت ملتهبة بالقضايا الساخنة تمثلت في كثرة الإضرابات العمالية والانتفاضات الطلابية والاحتجاجات النقابية، فكانت جل القطاعات مشحونة بما أل إليه الوضع الاجتماعي المتأزم.
مقابل ذلك كان مسرح الهواة يضم في بنيته شرائح واسعة من رجال التعليم والطلبة الجامعيين والفئة كبيرة من المثقفين، مما جعل المنجز المسرحي ينخرط في دينامية هذا المجتمع بكل قوة، فأصبح خير معبر عن ماسي الإنسان، يكابد أحزانه ويعانق أفراحه، فأصبح المجتمع المغربي يرتبط بهذا النوع من المسرح، لأنه وجده قريبا منه ، فكثر السجال بين المؤسسة السياسية والقطاعات الاجتماعية، فاشتد الصراع ، وتأجج الاحتجاج ، فكان من مظاهره وتجلياته نشوب مظاهرات كان من أكثرها قوة أحداث مدينة الدار البيضاء سنة 1981 والتي بموجبها تعطلت الحركة لاقتصادية، وتدخل الأمن بشدة
ولاسترجاع الأمور إلى نصابها ، أدركت الدولة انه لا مناص من تغيير في الرؤية والاستراتيجية التي كانت تتبعها في تدبير الشأن المجتمعي في كل المجالات ، خصوصا وأن كل تجمع بشري ـ
في نظرها ـ سواء في سياق جمعوي أو داخل منظومة حزبية أو تكثل تعليمي أو نقابي إلا ويجب أن يؤسس وفق شروط تنظيمية مراقبة، وبما أن المسرح يرتكز على شرط الحرية والإبداع ، فقد كان من هاجس الدولة أن تفك الارتباط به، مع خلق سياق جديد يراعي مصلحتها العليا، ويحافظ على أمن الدولة وأمان وسلامة المواطن، هذا الشرط جعل الدولة تفكر في إلغاء المركزية فدشنت كليات متعددة في جل مدن المغرب ابتداء من سنة 1984 بدل كلية واحدة بالرباط ،وأصبح المغرب مقسم إلى جهات، واستهدفت مدينة الدار البيضاء في تجزيئها إلى عمالات مستقلة، وفي المجال السياسي أصبحت وزارة الداخلية هي أم الوزارات تتحكم في المجال الترابي مثلما تتحكم في وزارة الإعلام ووزارة الثقافة ووزارة الشبيبة والرياضة، أخذت على عاتقها تحمل عبء الوزارة الأولى. فكان التركيز على مدينة الدار البيضاء باعتبارها هي مصدر هذا الانفلات بحكم موقعها الاقتصادي وباعتباري أكبر تجمع سكاني في المغرب. غير أن أسوأ ما عرفته المدينة في تاريخها الفني والثقافي هو هدم مسرحها الكبير ، المسرح البلدي ، وقد تزامن هذا الفعل مع استصدار وزارة الشبيبة والرياضة لمذكرتين مشؤومتين هما 162 و163 والتي بموجبهما تحدان من صيرورة العمل الجمعوي وتحثان على مراقبة ولتتبع العمل الجمعوي من الداخل، مع إعادة قراءة قانون الحريات العامة من خلال ظهير 1958 قراءة خاصة والذي لا يسمح بان تكون للأنشطة الجمعوية وخصوصا المسرحية مداخيل مالية آو إعانات خارجية فكان المسرح اكبر متضرر من باقي القطاعات الأخرى . داخل هذا السياق ، اخترنا في سنتنا الثانية من هذا التوطين أن ينكب نقاش المتدخلين حول هذه العلاقة بين المسرح والدولة من 1976 إلى سنة 1998 خصوصا بمدينة الدار البيضاء باعتبارها فضاء متجانسا لهذا المسرح سواء بفرقه أو رواده أو من خلال البنيات التحتية التي تتوفر عليها هذه المدينة.
|