السبت 23 نونبر 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

معركة سيدي بليوط.. دفاعا عن الأموات

كازا 24 الأحد 8 أبريل 2018

عن/ الأخبار

عرفت مدينة الدار البيضاء مجموعة من المعارك ما زالت تحمل أسماء الأحياء التي تحولت إلى ساحات للاقتتال ضد المستعمر الفرنسي، وإذا كانت المدينة القديمة هي منطلق عمليات حركة المقاومة الوطنية ضد المحتل، فإن تشديد الخناق عليها دفعها إلى التوسع في أرض المدينة ودروبها، خاصة الأحياء الشعبية كدرب السلطان وكاريير سنطرال، لتصبح في نظر المقيم العام بؤرا للمقاومة المسلحة فاستنفر لها كل إمكانياته لتمشيطها وقتل حملة السلاح من المغاربة الذين كان هاجسهم الأكبر إجلاء المستعمر.

* معركة دفاعا عن أموات سيدي بليوط

بدأت المعركة باحتجاج ساكنة الدار البيضاء على مرور خط سككي فوق جزء من مقبرة مجاورة لضريح سيدي بليوط، المطل على ميناء الدار البيضاء، وقرروا منع اختراق القبور وانتهاك حرمة المقبرة.

في شهر ماي من سنة 1907 أعلن سكان الدار البيضاء والشاوية التمرد على عربات قطار كانت تستعملها شركة «شنايدر» في بناء وتوسيع ميناء الدار البيضاء، تجاوز الأمر حدود الاحتجاج اللفظي وقرر ممثلو السكان ملاقاة خليفة السلطان على المنطقة، مطالبين إياه بوقف الأشغال في الميناء «لما يشكله ذلك من خطورة على السيادة الوطنية»، مع تغيير مسار السكة الحديدية، بدل النية في ترحيل القبور إلى مقابر أخرى.

لم يكن رد السلطات المغربية مقنعا مما دفع إلى التصعيد، إذ تمت المطالبة بإجلاء الأجانب عن الدار البيضاء ووقف أشغال توسيع الميناء وتحطيم خط السكة الحديدية.

توجه المحتجون صوب الميناء وقتلوا عددا من الأجانب من بينهم فرنسيون وإسبان وبرتغاليون في حدود عشر ضحايا. أمام هذا الوضع ساد الهلع في أوساط الجالية الفرنسية واليهود المغاربة، الذين قرروا الاحتماء بإحدى البواخر الراسية في الميناء وهي حاملة للعلم البريطاني، كانت تستعد للسفر نحو جبل طارق.

اجتمعت القوات الاستعمارية الأوربية وقررت الانتقام لأرواح رعاياها، حيث أرسلت فرنسا البارجة المدمرة، جاليلي، ودعمتها إسبانيا بمدمرة تدعى، الفارو. حملت الباخرتان عتادا حربيا وقاموا بإنزاله في الميناء قبل إيداعه في مقر القنصلية الفرنسية بالدار البيضاء، وقيل إن الفرنسيين ادعوا بأن صناديق الأسلحة كانت تحتوي على مواد غذائية، لتمويه المتمردين الذين لا يملكون سوى الحماس والإيمان بنبل قضيتهم.

في كتابه «كوموندو البر والبحر» يتحدث اليهودي، موشي زغاري، عن القصف الرهيب الذي عرفته الدار البيضاء في شهر غشت من سنة 1907، علما أن موشي هو من دل الفرنسيين على تفاصيل الغارة. وقعت معركة دامية بين مقاتلين مغاربة يحملون سلاحا بسيطا وجنود البحرية الفرنسية والإسبانية الذين مارسوا القصف من البوارج الراسية في الميناء، ومع كوماندو فرنسي جيء به خصيصا لحماية الرعايا الأجانب والفرنسيين على الخصوص.

كانت الحصيلة الأولية مفزعة فقد استشهد أزيد من 15 جنديا مغربيا ومئات المدنيين في قصف مدفعي رهيب، لم تسلم منه صومعة مسجد المدينة العتيقة وضريح سيدي بليوط، الاستثناء الوحيد هو الحي الديبلوماسي الذي لجأ إليه الفارون من جحيم الغارة التي استمرت يومين متتاليين.

ارتفعت حصيلة الهجوم، وفاقت 1200 ضحية مغربي ويهودي أغلبهم من المدنيين العزل، بل تم أسر أبو بكر السلاوي يوم 11 غشت ونفيه إلى معتقل في الجزائر المحتلة آنذاك من طرف الفرنسيين. ولأن الفصل فصل صيف فإن جثث القتلى المغاربة ظلت منتشرة في دروب المدينة القديمة إلى أن تعفنت وتحللت فتم رميها في حفر وآبار.

نشرت صحيفة «لوبوتي جورنال» الصادرة يوم 28 غشت 1907، مقالا حول غارة كاليلي للدار البيضاء، اعتبرته مشابها للقصف الذي تعرضت له العاصمة الجزائر سنة 1682، وخلصت إلى استنتاج عنصري يقول «المغرب لا يؤمن بقوتنا إلا عندما نضرب. ولما نتوقف عن الضرب، يستنتج أنه يمكن أن يضرب بدوره».

ويحكي الطبيب لويس أرنو في كتابه «زمن المحلات السلطانية: الجيش المغربي وأحداث قبائل المغرب ما بين 1860 و1912»، الذي ترجمه محمد ناجي بن عمر، أن من تداعيات الهجوم الفرنسي على الدار البيضاء هو احتدام الصراع بين المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ.

«اجتمع كل أعيان وأشراف وعلماء المدينة بالمسجد، بحضور مولاي عبد الحفيظ وأتباعه، والقائد المدني الكلاوي وأقاربه، ومختلف موظفي المخزن، وبعد كلمة وعظية، أخذ الكلمة مولاي بوبكر، أخ السلطان، وقال: نعلم أن مولاي عبد العزيز قد باع بلدنا للمسيحيين، تعلمون الآن أنهم قد نزلوا إلى ميناء الدار البيضاء، بأعداد كبيرة، مسلحين بالرشاشات والمدافع، وأنهم أغرقوا هذه المدينة في الهموم والفوضى والاضطرابات، وها هي يدهم تمتد نحو إخواننا في الشاوية المساكين». شرع مولاي عبد الحفيظ في هذه الأثناء يبكي، لأن أمه من هذه القبيلة، وبكى معه الحاضرون.