التعادل الإيجابي يحسم مباراة «الديربي البيضاوي» بين الرجاء والوداد |
نشرة إنذارية: طقس حار مرتقب من السبت إلى الاثنين بعدد من مناطق المملكة |
«الديربي البيضاوي».. التشكيلة الأساسية للرجاء والوداد |
حافلات الدار البيضاء.. تغيير مؤقت في جزء من مسار الخط الرابط بين داوليز والسالمية |
رغم أنه بدون جمهور.. تعزيزات أمنية بملعب «العربي الزاولي» لتأمين «الديربي البيضاوي» |
تفاصيل إعدام«المامونية» أشهر القاعات السينمائية بالبيضاء بتواطؤ مع«حماة الذاكرة» | ||
| ||
انضافت سينما «المامونية» بالبيضاء إلى قائمة القاعات التي نفذ فيها حكم الإعدام، ولم يكتف معدموها بقتلها فقط بل مثلوا بجثمانها ومسخوه إلى عمارة من طوابق، يسارع أصحابها الزمن لتكتمل ويكتمل معها الفصل النهائي في ذاكرة معلمة بيضاوية ذهبت إلى غير رجعة. فكيف جرى تنفيذ حكم الإعدام في «المامونية» ؟ وكيف صارت هذه القاعة تحمل صفة البناية الأثرية بتصنيف من وزارة الثقافة قبل أن يتم سحب تقييدها؟ وكيف «تواطأت» على توقيع محضر سحب «المامونية» من التراث الوطني وتجريدها من صفتها الأثرية جهات من بينها المديرية الجهوية لوزارة الثقافة وجمعية «كازا ميموار»؟ هذا ما سنتتبع تفاصيله في هذا التحقيق: إنجاز: عزيز المجدوب/ عن :الصباح قضية سينما «المامونية» ليست قضية قاعة سينمائية من بين عشرات القاعات التي كانت تؤثث الدار البيضاء، وتشكل جزءا من تاريخها وهويتها المعمارية، بل قضية «سياسة» جديدة صارت تنهجها لوبيات العقار في العاصمة الاقتصادية، والتي لا ترى في تلك البنايات والمعالم الأثرية سوى مساحتها، التي تسيل لعابها لإنشاء عمارات وبنايات تتحول أكداسا من الأموال في أرصدة المنعشين العقاريين الذين يشكل بعضهم لوبيا متماسكا له القدرة على إخضاع وترويض وليّ أذرع كل الأطراف والجهات، التي بإمكانها أن تعبد الطريق في اتجاه بسط اليد على المساحات الأرضية، التي تلد الذهب في مدينة لا تعترف بالفراغ ولا قلب ولا ذاكرة لها. درب السلطان… القاعات العشر حكاية سينما «المامونية» ما هي إلا وجه من واقع الإجهاز اليومي على معالم الدار البيضاء، ومعها جزء من ذاكرة أجيال من البيضاويين ممن تخصب خيالهم ووجدانهم داخل قاعاتها، وهم يتابعون ما كانت تقدمه من أفلام سينمائية وعروض فنية. وحدها منطقة درب السلطان بالبيضاء شكلت الاستثناء باعتبارها حيا شعبيا كان يتوفر على أزيد من عشر قاعات سينمائية، وهو رقم غير مسبوق وقياسي، بالنظر إلى حجم هذا الحي، وهو ما أفرز حركية فنية ساهمت فيها هذه القاعات وكانت سببا مباشرا في ميلاد العديد من الأسماء الفنية، التي تشربت عشق الفن من فضاءات الحي السينمائية. يكفي استحضار أسماء لقاعات من قبيل «المسرح الملكي» و«الشاوية» و«الباهية» و«موريطانيا»و«شهرزاد»و«الزهراء»،«الأطلس»و«المامونية»و«الأمل»و«الكواكب»و«البيضاء»، لتنتعش الأخيلة وتستحضر معها مئات الأفلام من كل الأصناف كانت تعرض بها، بل من هذه القاعات ما اختص بعرض صنف معين وأخرى اختارت التنويع في معروضاتها الفنية، ومنها ما صار في خبر كان وطالته أيادي الهدم أو جرى تحويل نشاطها في انتظار تكرار سيناريو الإجهاز المرحلي الذي يتكرر مع كل بناية بالطريقة والأسلوب نفسه. آخر قاعة ظلت تصارع اليأس من أجل البقاء هي قاعة «المسرح الملكي» بزنقة آيت إيفلمان بدرب السلطان، قبل أن تلفظ أنفاسها قبل بضعة أشهر وتعلق عليها لافتة للبيع، بينما تحولت قاعة «الباهية» إلى مركز للإنعاش الوطني تابع للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وقبلهما صارت سينما «الشاوية» أثرا بعد عين، فيما الدور ينتظر قاعات أخرى بدرب السلطان مثل «موريطانيا» و«الكواكب» التي تحولت بشارع االفداء و«شهرزاد» وغيرها.
تصنيف وسحب ملف سينما «المامونية» تفجر أخيرا بعدما تم الإجهاز فعليا على هذه القاعة، وتم هدمها رغم تصنيفها تراثا وطنيا من قبل وزارة الثقافة، بحكم أن الشركة العقارية التي استولت على العقار الذي كانت توجد فوقه البناية، تمكنت من استصدار قرار بسحب تقييد السينما ضمن التراث الوطني بمساهمة الجهات المعنية بهذا القرار، وتلك هي القصة. ولم تفلح الأصوات القليلة التي ارتفعت تنبه إلى الخطر الذي كان يحدق بسينما «المامونية» التي كانت تؤثث زنقة البشير الإبراهيمي بحي لاجيروند، القريب من درب السلطان، منذ مطلع أربعينات القرن الماضي، في الحيلولة دون قتل هذه المعلمة رمزيا وفعليا، وجرى فعلا هدم القاعة لينتصب بدلها ورش بناء عمارة ما زالت الأشغال قائمة بها إلى اليوم. من الأصوات التي تبنت ملف قضية سينما «المامونية» هناك جمعية أسست حديثا باسم «مؤسسة ذاكرة درب السلطان» التي يعتبر رئيسها رشيد دابيت أن هذه القضية تحيل على واقع القاعات السينمائية بحي درب السلطان، التي لم يعد يسري عليها القانون المتعلق بالمحافظة على المباني الأثرية، إذ صار هذا القانون قابلا للتجاوز والتحايل عليه في كل لحظة، وحسب إمكانيات الجهة التي تريد أن تتجاوزه، كما أنه لم يعد يوفر الحماية التامة للمعمار والمباني التاريخية وبالنظر إلى الوثائق المتوفرة في قضية سينما «المامونية» يتضح أن الأمر يتعلق ببناية ظل العقار الذي كان يحتويها موضوع نزاع بمحاكم العاصمة الاقتصادية بين أكثر من طرف انتهى بانتصار شركة عقارية تمكنت من حيازة العقار والتخلص من القاعة السينمائية بهدمها وإحلال عمارة سكنية بدلها، ما زالت في طور البناء إلى حدود كتابة هاته الأسطر. كانت الخطوة الأولى في قضية سينما «المامونية”منذ اللحظة التي تقدمت فيها جمعيتا «كازا ميموار» و«حفظ السينما بالمغرب» ، في مارس 2013، بطلب إلى وزارة الثقافة من أجل تقييد القاعة ضمن مجموعة من القاعات والبنايات التاريخية بالبيضاء تراثا وطنيا، وهو الأمر الذي استجابت له الوزارة عن طريق مديرية التراث الثقافي، إذ عقدت اجتماعا بضعة أشهر بعد ذلك، أي يوم 23 يوليوز من السنة نفسها وافقت خلاله اللجنة على طلبات التقييد. وهكذا وجدت سينما «المامونية» نفسها ضمن البنايات المعنية بقرار التقييد تراثا وطنيا (قرار وزير الثقافة رقم 14739)، وفعلا صدر قرار بالجريدة الرسمية عدد 6252 بتاريخ 12 مارس 2014 يؤكد القرار ويضفي عليه طابع الرسمية. كل هذا، يقول رشيد دابيت، لم يمنح سينما المامونية الحصانة الكافية للحيلولة دون الإجهاز عليها، إذ سرعان ما سيتبين أن الشركة العقارية التي اقتنت العقار الذي توجد عليه والمسمى «كيكليمو» ، قد استصدرت رخصة بناء من الجماعة الحضرية للدار البيضاء موقعة بتاريخ 7 يناير 2013، وهو التاريخ الذي يطرح أكثر من تساؤل حول الكيفية التي تم بها تسجيل السينما في عداد الآثار، وفي الوقت نفسه الحفاظ على قرار يقضي بالبناء في البقعة التي توجد بها، وهو ما يعني عمليا التأشير بهدمها.
ردهات المحاكم دخلت القضية ردهات المحاكم بعد أن تقدم المقاول المغربي اليهودي إيميل بوزاكلو، ضد الشركة العقارية التي اقتنت المساحة الأرضية الذي توجد فوقه السينما، من أجل إيقاف أشغال هدمها وتضمن ملف القضية مجموعة دعاوى تتعلق بإتمام البيع وإلغاء الإنذار والإفراغ من العقار واتهامات ببيع مزدوج للعقار البالغة مساحته ألف و125 مترا مربعا، خاصة أن بوزاكلو كان يقطن فوق السينما بالكراء واتفق مع مالكها لاقتنائها بعد أن أبدى رغبته في بيعها. وانتهى المطاف بالقضية بأن اقتنت الشركة العقارية المساحة الأرضية بما فيها السينما الموجودة فوقه وحصلت على رخصة البناء من الجماعة الحضرية للبيضاء، قبل أن يصدر قرار آخر من المحكمة الإدارية بالبيضاء (عدد 2078 في الملف 51/ 7106/ 2014) بإيقاف تنفيذ الرخصة إلى حين البت في موضوع دعوى إلغاء الرخصة، إلا أن كل هذا لم يمنع الشركة من مواصلة أشغال البناء التي أدت إلى هدم السينما. والمثير في وثائق ملف سينما المامونية أن عملية سحب تقييدها تمت إثر بناء على محضر اجتماع اللجنة المكلفة بمراقبة التقيد بأحكام النصوص التشريعية الخاصة بحماية التراث تم في 5 ماي 2015، إذ تمت فيه دراسة وضعية السينما والاعتراف أنه تمت “معاينة ميدانية لموقع السينما وتبين عدم وجود قاعة للسينما وحل محلها ورش عمارة”في الوقت الذي كانت ما تزال الدعوى القضائية مستمرة بين بوزاكلو والشركة العقارية بعد هذا التاريخ بسنوات من أجل إفراغه من الشقة، التي كان يكتريها فوق السينما التي لم تعد موجودة حسب منطوق المحضر، وهو ما علق عليه رشيد دابيت باستغراب. محضر التشطيب والإعدام كما أن المحضر الذي مهد للقرار الذي صدر عن مديرية التراث الثقافي بوزارة الثقافة، حمل توقيع أعضاء اللجنة المختلطة، وتضم ممثلين عن الوكالة الحضرية والمديرية الجهوية للثقافة وجمعية «كازا ميموار» وقسم التعمير بعمالة مقاطعة الفداء مرس السلطان وهيأة مجلس جهة المهندسين. وفي الوقت الذي توجهت فيه “الصباح”بالسؤال إلى رشيد الأندلسي رئيس جمعية «كازا ميموار» التي تعنى بالحفاظ على المعمار التاريخي بالبيضاء، والتي كانت إحدى الهيآت التي تقدمت بطلب تقييد السينما تراثا وطنيا، حول كيفية ورود اسم ممثلة الجمعية في المحضر الذي كان أحد الصكوك الممهدة لإخراج السينما من التقييد، استغرب للأمر ونفى علمه به، قبل أن يطلب الاسم الذي وقع باسم الجمعية، ويحيلنا عليه. كان الأمر يتعلق بالمهندسة سمية جلال، التي أجابت في حديث مع «الصباح» بأنها لم تعد تتذكر جيدا ظروف وملابسات توقيعها على ذلك المحضر، أو أنها لم تكن تعرف مضمونه وأبعاده بدقة خاصة أنها لا تجيد القراءة باللغة العربية جيدا، لأنها لا يمكن أن تتورط في توقيع وثيقة تؤدي إلى إعدام بناية أثرية، وهي في الوقت نفسه تمثل جمعية وضعت على عاتقها الحفاظ على ذاكرة البيضاويين، على حد قولها. وتضيف أن اللجنة عندما خرجت لمعاينة السينما كان قد تم هدمها ليجدوا مكانها ورش بناء وأن المديرة الجهوية للثقافة راسلت الوزارة من أجل إيجاد حل لهذا المشكل، وهو الأمر الذي يعقب عليه رشيد دابيت بأن هناك حكما بالإفراغ صدر بعد هذا التاريخ عن المحكمة التجارية في حق إيميل بوزاكلو بشأن الشقة التي كان يقطن فيها فوق السينما، ولا يعقل أن تنفذ المحكمة حكما من هذا القبيل على بناية لم تعد موجودة أو تحولت إلى ورش بناء. أما المديرة الجهوية السابقة للثقافة رابحة زاهيد والتي كانت أيضا ضمن الموقعات على المحضر فحاولت «الصباح» الاتصال بها إلا أن هاتفها ظل يرن دون مجيب، ولتظل حكاية سينما «المامونية» مثل حكاية «الثور الأبيض» الذي أكل يوم أكل «الثور الأسود» عنوانا لسيناريو يهدد قاعات أخرى ما زالت تنتظر المصير نفسه.
جـوهـرة المـشـور أطلق على «المامونية» لحظة تشييدها منتصف الأربعينات، لقب «جوهرة المشور» بحكم قربها من الموقع الذي يوجد به القصر الملكي بالبيضاء، فضلا عن تشكيلها الهندسي وظروف تشييدها في مرحلة اتسمت بتصاعد المقاومة ضد المستعمر، وهو ما جعل موقعها بحي لا جيروند، وتحديدا بالقرب من سوق بيع البيض المعروف لدى البيضاويين بـ«البياضة»، نقطة جذب لعدد من الوطنيين القاطنين في حي الأحباس، الذين يستغلون القاعة لتجمعاتهم السري وبعد الاستقلال عرفت «المامونية» لدى البيضاويين، بتخصصها في عرض الأفلام الأمريكية والفرنسية، وبدرجة أقل بعض الأفلام العربية. عاشت القاعة، التي أخذت اسمها من فندق المامونية الشهير بمراكش، مجدها وعصرها الذهبي في بداياتها، إذ كانت تحتضن العديد من الحفلات الفنية والمسرحيات، التي كان يحييها الراحل بوشعيب البيضاوي مع فرقته الغنائية والكوميدية، كما كانت فضاء لمسابقات رياضة كمال الأجسام، إذ احتضنت العديد من البطولات، كان أهمها بطولة البحر الأبيض المتوسط لكمال الأجسام. وشهدت القاعة، التي كانت تتسع لأزيد من 500 متفرج، فترة ازدهار كبرى ما بين عقدي السبعينات والثمانينات، وإلى حدود منتصف التسعينات كانت القاعة ما تزال تعج بعشاق الفن السابع، الذين كانوا يحجون إليها من كل فج عميق. | ||