السبت 23 نونبر 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

بوبكار سانغو ... من جحيم حرب شمال مالي إلى اندماج سلس بالمغرب

جواد التويول/ وم ع الأحد 2 أكتوبر 2016

جواد التويول/ وم ع

بوبكار سانغو مهاجر مالي بسيط، دفعته الأقدار ليصبح مقيما بالمغرب، بعد أن فر سنة 2012 من جحيم الحرب والدم من قرية بنيكان الواقعة على بعد 120 كيلومترا شرق تمبكتو، حاملا معه ندوب جروح موغلة في المعاناة.

ما كان يخطر ببال سانغو أبدا أن أهوال الحرب ومعاناة الهجرة السرية ستستحيل يوما إلى إقامة قانونية وأفق رحب لتحقيق حياة أفضل، بعد رحلة شاقة تشكل شريط ذكريات متخم بالألم.

الحلم الأوروبي ولكن...؟

لم يكن بوبكار يفكر البتة في الاستقرار بالمغرب، لكن الظروف شاءت غير ذلك، فبعد فشله المتكرر، على مدى شهرين كاملين، بمعية رفاقه في التسلل إلى مليلية السليبة، سيقلع نهائيا عن ذاك الحلم الذي طالما راوده منذ الصبى، ليشد الرحال صوب مدينة فاس ذات العبق التاريخي الفريد.

في فاس، الملاذ الآمن الذي يقصده مريدو الطريقة التيجانية من كافة الأرجاء طلبا للصفاء الروحي، شعر بوبكار بأن المدينة تبث فيه روحا من الأمل في الغد الأفضل وتفتح أمامه أبواب السعي بالاعتماد على النفس والاجتهاد. أدرك الشاب الثلاثيني أن أحلام الهجرة إلى بلاد الغرب الأوروبي لا تتحقق دوما وأنها قد تكون بداية معاناة أكثر عمقا وإيلاما. فحرص منذ حلوله بالمدينة، على البحث عن شغل. واجه صعابا جمة في بادئ الأمر، لكن مراده سيتحقق، حيث سيشتغل في فرن تقليدي بالمدينة العتيقة، ما أعانه إلى حد ما على التغلب على صعوبات الاندماج.

ولأنه كان يتقاضى أجرا زهيدا، بسبب عدم توفره على وثائق الإقامة، انتقل بعد ذلك للعمل في أوراش البناء التي أمضى بها زهاء سنتين استطاع خلالهما أن يوفر القليل من المال لشراء بعض ما تناله اليد.

لم يكن بوبكار يتوقف عن التفكير في سبيل لتحسين أحواله، ففكر في الانتقال صوب مدينة سلا، حيث سيشتغل في محطة للوقود، وهو العمل الذي مازال يزاوله حتى الآن، مما مكنه من ربح مزيد من المال، سيساعده في ما بعد على استئجار غرفة تؤويه بأحد المنازل الكائنة بالمدينة العتيقة.

ويقول بوبكار، في جلسة بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، "صراحة طيلة إقامتي بالمغرب، وجدت في المغاربة عونا في حال الضيق .. الشعب المغربي شعب مضياف وطيب، معظمنا، نحن الوافدين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، مررنا بظروف نفسية عميقة دفعتنا إلى الاحساس بحالات اكتئاب، ولن ننسى حتما منظر الجثث، ورائحة الدم، وبيوتنا المهدمة وذكرياتنا الجميلة التي راحت أدراج الرياح بسبب الحرب شمال مالي، لكن المعاملة التي كنا نلقاها من قبل أشقائنا المغاربة كانت تخفف عنا وقع ذلك الأسى".

أول الغيث قطرة...

يشعل بوبكار سيجارته ويتابع حديثه "مرت سنة وأنا أشتغل في محطة الوقود، بدون وثائق، لكن مالك المحطة، سيخبرني ذات صباح بأن السلطات المغربية تقوم بإحصاء المهاجرين المقيمين بالمغرب بطريقة غير قانونية، من أجل تسوية أوضاعهم.. لم أكترث للأمر في الوهلة الأولى، وقلت إن ذلك قد يكون من الشائعات التي تبددها رياح الواقع بعد أيام، لكن زميلي المغربي في العمل، شجعني على التوجه إلى مكتب تسوية أوضاع الأجانب بعمالة سلا لتسجيل اسمي.

ومضت عينا بوبكار وهو يحكي كيف بدأ ينظر إلى النور والأمل في الخروج من النفق، وكيف تسارعت المراحل، نحو الحصول على بطاقة الإقامة، التي تتيح له العمل والسفر لرؤية أهله وذويه، لاسيما بعد انتهاء الحرب بمالي.

يتأمل بوبكار شريط معاناته مجددا قائلا إن لحظات الفرح تمضي سريعا، وتعلو محياه ابتسامة جميلة حينما بدأ يحكي عن يوم حصوله على بطاقة الإقامة، وكيف سار في الشارع دون الحاجة إلى الاختباء عن الأنظار. "لقد صار لي وجود قانوني .. شكرا للمغرب".

"كانت لحظة مشرقة في حياتي، يضيف بوبكار، بزهو،..التعقيدات الإدارية ستزول، سأزور الطبيب وأتسوق وأجلس في المقهى، وأذهب إلى شاطئ البحر وأسافر عبر المطار وأركب القطار وربما أتزوج وأنجب أطفالا"

نحو 23 ألف مهاجر تمت تسوية اوضاعهم... 

من المؤكد أن حالة بوبكار ليست فريدة، فقد منح المغرب، في إطار الاستراتيجية الجديدة لتدبير الهجرة التي اطلقها سنة 2014، الإقامة القانونية لـ23 ألف مهاجر غير نظامي ينحدرون من 112 دولة، وذلك خلال ثلاث سنوات، فيما حصل 680 مهاجرا على بطاقة اللجوء السياسي.

وحسب إحصائيات لوزارة الداخلية، فقد تمت تسوية الأوضاع الإدارية لـ83 في المئة من طلبات التسوية المقدمة من طرف المهاجرين غير النظاميين إلى السلطات المغربية.

واحتل السوريون المرتبة الأولى بنسبة 23 في المئة، يليهم المواطنون المنحدرون من السنغال بنسبة 21 في المئة، ثم الكونغو الديمقراطية بنسبة 19 في المئة، فيما تتوزع بقية النسب على دول أخرى، علما بأن المهاجرين الذين تمت تسوية وضعيتهم القانونية سيمكنهم الإقامة دون متابعة.

كما أن عدد الحاصلين على بطاقة اللجوء والبالغ عددهم 680 مستفيدا، معظمهم من الإيفواريين الذين احتلوا الصدارة بنسبة 43 في المئة، متبوعين بالكونغو الديمقراطية بنسبة 14 في المئة، والعراق بـ 13 في المئة، فيما ينتمي الباقون إلى بلدان أخرى.

ويقدر عدد المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء المقيمين في المغرب بشكل غير شرعي حسب الإحصائيات ذاتها، ما بين 25 و40 ألف مهاجر، يضاف إليهم حوالي 2500 سوري مهاجر فار من ويلات الصراع في سوريا، وراغب في العبور إلى أوروبا طلبا للجوء.

نتائج لافتة...

تعزى النتائج المرجوة المحققة من عملية التسوية برمتها، في جانب أساسي منها، إلى المقاربة التشاركية التي طبعت مراحل إعداد وإنجاز العملية الاستثنائية، والتي مكنت من بلورة منظور مشترك بين مصالح الدولة ممثلة في وزارة الداخلية والوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وبشؤون الهجرة، والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان والمؤسسات الدستورية كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان والفاعلين الجمعويين.

ومعلوم أن الاستراتيجية الجديدة للمغرب في مجال تدبير الهجرة وطالبي اللجوء تنبني على ستة محددات أساسية، تتوزع بين تقديم الدعم الإنساني ومساعدة المهاجرين الأجانب وطالبي اللجوء الذين تمت تسوية وضعيتهم القانونية، وتمكينهم من الحصول على التكوين والتكوين المهني والتعليم لأبنائهم والولوج للصحة عبر تخويلهم الاستفادة من نظام المساعدة الطبية "الراميد".