مع بداية شهر ماي من السنة الماضية 2016 عرف معهد باستور أزمة في اللقاح المستعمل ضد الحمى الشوكية «المينانجيت» الضروري من أجل التوجه إلى الديار المقدسة بسبب نفاد احتياطي هذا اللقاح من المعهد، ما اضطر هذا الأخير إلى استبداله بلقاح جديد أكدت مديرة المعهد آنذاك أنه أكثر فعالية وأقل ضررا من حيث التأثيرات الجانبية.
وأمام الضجة الإعلامية الواسعة التي خلقها نفاذ اللقاح المذكور والذي كان من شأن عدم التزود به في الوقت المناسب أن يحرم مئات المغاربة من أداء مناسك العمرة على اعتبار أن سفارة الممكلة العربية السعودية تشترط على المتقدمين للحصول على تأشيرة العمرة أو الحج ضرورة التوفر على دفتر اللقاحات الذي يضم اللقاح المذكور كان من اللازم الحصول على جرعات لقاح للمغاربة الذين كانوا يستعدون لأداء مناسك العمرة.
فارق كبير في الثمن
مباشرة بعد المشكل الذي سجل العام الماضي في التزود بلقاح ضد الحمى الشوكية "المينانجيت" المسمى "Méningocoque ACWY 135" الذي كانت تقتنيه إدارة المعهد بمبلغ 91.40 درهما وتقوم ببيعه للعموم بمبلغ 180 دهما، قامت إدارة معهد باستور بطلب كمية تتكون من 1300 وحدة من لقاح جديد يدعى "Vaccin Anti- Méningocoque conjugé tétravalent ACWY" بمبلغ 280 درهما للوحدة، قبل أن تقوم بإعادة بيعه للعموم بمبلغ 782 دهما وهو الأمر الذي احتج عليه في حينه كثير من المواطنين الذين استغربوا من الزيادة الصاروخية التي عرفها ثمن اللقاح الذي تضاعف أكثر من ثلاث مرات. غير أن كثيرا من الذين قصدوا المعهد من أجل التلقيح والذين تقوم المصالح المختصة بالمعهد بتلقيحهم فقط بعد تأدية المبلغ المالي المناسب دون أن تمكنهم من أي معطيات بخصوص طبيعة ونوع التلقيح الذي خضعوا له. والخطير في الأمر ومن خلال البحث الذي أنجزته "المساء" وبناء على معطيات موثقة فقد ظهر أن إدارة معهد باستور قد قامت باستعمال اللقاح الجديد من أجل تلقيح مواطنين مغاربة يتجاوز عمرهم 55 سنة رغم أن الشركة المصنعة للقاح قد نصت في المنشور الطبي الخاص بالمعلومات الذي يصاحب اللقاح بأنه جرى اختباره على الأشخاص الذي تتراوح أعمارهم بين 9 أشهر و55 سنة. وبالتالي فأي استعمال لهذا اللقاح خارج الأعمار المذكورة فإن التفاعلات التي يمكن أن يحدثها اللقاح المذكور مع جسم الإنسان غير معروفة ولم يتم إجراء أي تجارب مخبرية من طرف الشركة المنتجة للقاح عليها وهو ما يعني عدم استعماله لدى الأشخاص الذين يفوق عمرهم 55 سنة أو يقل عن 9 أشهر على سبيل الاحتياط.
معطيات صادمة
وفي ظل صمت مطبق للمسؤولين عن معهد باستور عن تغاضيهم عن تطبيق الإجراءات الخاصة باحترام توصيات الشركة المنتجة بخصوص اللقاح المذكور الذي تم التحول إليه فجأة بسبب مشاكل في التزود باللقاح القديم الذي اعتاد المغاربة على استعماله قبل التوجه للديار المقدسة، فإن معطيات موثقة تتوفر عليها "المساء" تفيد بأن مجموعة من المغاربة الذين تفوق أعمارهم 55 سنة وكانوا متوجهين لأداء مناسك العمرة قد تم تلقيحهم بواسطة لقاح خارج المساطر المعمول بها وخارج توصيات الشركة المنتجة التي تؤكد أن اللقاح المذكور مخصص وعلى سبيل الحصر للأشخاص من 9 أشهر إلى 55 سنة وهي الفئات التي قامت الشركة المذكورة بإجراء الدراسات والتجارب السريرية عليها من أجل معرفة المضاعفات التي يمكن أن يحدثها هذا النوع من اللقاح لدى الأشخاص المذكورين. هذا الوضع دفع بأحد أطر المعهد إلى توجيه رسالة في الموضوع إلى وزير الصحة الحسين الوردي يحذر فيها من المضاعفات المحتملة على المغاربة الذين تم تلقيحهم باللقاح المذكور رغم أنهم يتجاوزون السن المنصوص عليه في النشرة الخاصة بالشركة المنتجة، بالإضافة إلى المبلغ المالي الكبير الذي قام المعهد ببيع اللقاح للمغاربة والذي وصل إلى 782 دهما عوض 180 درهما التي كان معمولا بها في السابق ولمدة سنوات طويلة.
إدارة المعهد تدافع عن اللقاح الجديد
قبل تفجر الموضوع كان لـ"المساء" لقاء مع البروفيسور نعيمة المدغري، مديرة معهد باستور المغرب بخصوص الخصاص الذي عرفه السوق والذي فرض التوجه إلى اللقاح الجديد، والذي أكدت خلاله أنه وبخلاف القديم الذي يتميز بثمنه الرخيص الذي لا يتعدى 180 درهما، فيه مادة إذا تم استعماله للمرة الأولى تكون نتائجه جيدة جدا، أما إذا استعمل للمرة الثانية فإن المناعة المكونة ضد المرض تنقص ولا تصل إلى المستوى المطلوب وتستمر في النقص بتوالي الاستعمالات. أما البديل الذي ظهر في السوق والذي يتميز بثمنه المرتفع شيئا ما عن سابقه، فمفعوله جيد والمناعة التي يكتسبها الجسم بعد استعماله ترتفع مع تكرار استعماله بعكس اللقاح السابق. واعتبرت أنه مبدئيا يمكن القول إن مدة حماية اللقاح الجديد للجسم تفوق خمس سنوات، غير أن الأبحاث الجارية اليوم يمكن أن تظهر أنها أكثر من ذلك، والأمر الآخر المهم فيتمثل في أن المناعة تتعزز ويرتفع مستواها حينما نمنح الجسم الجرعة الثانية بعد خمس سنوات عكس اللقاح الأول. متوقعة أن اللقاح الأول سيختفي من الأسواق مع سنوات 2018 أو 2020. وعند سؤالها عن الدراسات والأبحاث العلمية التي تؤكد أقوالها بخصوص اللقاح الجديد أكدت أنه وبطبيعة الحال، فلا يمكن لأي لقاح أن يخرج إلى السوق دون إجراء دراسات علمية عليه وعلى تأثيراته دون أن تشير إلى أنه مخصص فقط وعلى سبيل الحصر للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 9 أشهر و55 سنة. أوضاع صعبة يعيشها المعهد
الأوضاع والظروف الصعبة التي يجتازها المعهد، جعلت نقابة موظفي ومستخدمي معهد باستور تدخل على الخط في الأزمة المالية التي يعيشها المعهد ومطالبة وزير الصحة بصفته رئيس المجلس الإداري لمعهد باستور، بتفعيل التوصيات المجلس الإداري للمعهد القاضية بتسريع إخراج مشروع بناء وحدة إنتاج الأمصال واللقاحات بمركز التجارب العلمية تيط مليل، على اعتبار أن الوحدة الإنتاجية من المنتظر أن تستجيب خلال تشغيلها لجميع المعايير والمواصفات الدولية، التي تؤكد عليها المنظمة العالمية للصحة في هذا المجال. وطالبت النقابة بضرورة الأخذ بعين الاعتبار عملية إحياء البحث العلمي بمعهد باستور في اتجاه تفعيل عملية إنتاج الأمصال واللقاحات المضادة لسموم العقارب والأفاعي، بعد أن كان المغرب إحدى الدول الرائدة في مجال إنتاج الأمصال واللقاحات التي تعتبر الوسيلة الوحيدة في محاربة الأمراض والأوبئة الخطيرة، التي تفشت مؤخرا بعدة دول وتهدد ساكنة العالم. مؤكدة على إمكانية مساهمة معهد باستور عند الضرورة في تدريس علم الأحياء المجهرية وعلم الطفيليات وتأطير المتدربين المغاربة والأجانب، وهو ما يفرض ضرورة التسريع بمشروع بناء وحدة إنتاج الأمصال واللقاحات بمركز التجارب العلمية تيط مليل. وضعية صعبة رصدها مجلس جطو
لاحظ المجلس الأعلى للحسابات، أنه خلال الفترة الممتدة ما بين 2003 و2008، لم يكن معهد باستور يتوفر على وثيقة تحدد التوجه الاستراتيجي للمؤسسة والتي من شأنها تحديد أهداف و مخططات عمل أجهزة المعهد للقيام بمهامها على أحسن وجه. وبذلك فإن الأنشطة الأساسية للمعهد، والمتمثلة في البحث العلمي، لا تدخل في إطار رؤية إستراتجية واضحة ومحددة. وظل البحث العلمي للمعهد مقتصرا على إعداد التقارير العلمية ونشرها. وأضاف المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي لسنة 2009، أن معهد باستور لم يقم بأية أبحاث في مجال الأمراض المعدية والطفيلية للنباتات على الرغم من أن هذه الأنشطة تدخل في إطار مهامه المنصوص عليها في المادة 2 من المرسوم رقم 176 66 الصادر في يونيو 1967 وكذلك الشأن بالنسبة للطب البيطري الذي يعتبر مهمة موكولة إلى هذا المعهد. كما لاحظ المجلس أيضا، أن مهمة تحضير الأمصال واللقاحات والأنزيمات والمنتجات العضوية لم تحظ بالاهتمام اللازم من قبل إدارة المعهد، كما تم تعليق عملية إنتاج الأمصال المضادة للعقارب والأفاعي. وفي ظل غياب رؤية إستراتجية، ركز معهد باستور المغرب على جهوده على تطوير أنشطة أخرى لا تدخل في نطاق مهامه الأساسية، ويتعلق الأمر بالتحاليل الطبية الروتينية وتسويق الأمصال واللقاحات بالإضافة إلى الرقابة الغذائية والبيئية، كما تطلبت هذه الأنشطة موارد مالية وبشرية ولوجستيكية مهمة. وقد تم القيام بها على حساب الأنشطة الأساسية التي تعتبر صلب المهام الموكلة إلى معهد باستور والمتمثلة في البحث العلمي في الأمراض المعدية وإنتاج الأمصال واللقاحات والأنزيمات. وعلى مستوى تدبير المخزون الاستراتيجي للقاحات والأمصال، أشار المجلس الأعلى في تقريره، أن معهد باستور يعتبر المؤسسة الوحيدة المخول لها من طرف وزارة الصحة تزويد السوق المحلية بمجموعة من اللقاحات، ورغم هذا، لم تضع إدارة المعهد أية استراتيجية من أجل تدبير فعال للمخزونات وذلك لتفادي أي اضطراب في تزويد السوق المحلي بالمواد السالفة الذكر.
وعلى مستوى المباني و الإطار البيئي، سجل التقرير أن بعض مختبرات قسم البيولوجيا الطبية توجد بعيدة عن غرفة أخذ العينات وهذا من شأنه أن يؤثر على العينات البيولوجية خلال نقلها من غرفة أخذ العينات إلى المختبرات المعنية. ويتعلق الأمر بمختبرات علم الأمصال. وعلى مستوى الإشعاع العلمي لمعهد باستور، العضو بالشبكة الدولية لمعاهد باستور والمتعاون مع منظمة الصحة العالمية كمختبر مرجعي في مجالات البحث حول السيدا والتهاب الكبد الفيروسي ومرض السل وغيرها، سجل تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أن إشعاعه بدأ ينقص على اعتبار أنه لم يعد، منذ سنة 2002، مركزا متعاونا مع منظمة الصحة العالمية في مجال السيدا. |