السبت 23 نونبر 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

سـوق الخضـر بالبيضـاء… الفضيحـة

يوسف الساكت / عن: الصبـاح الجمعة 23 يونيو 2017

يسير الوضع من سيء إلى أسوأ بسوق الجملة للخضر والفواكه بالبيضاء، ويتحول أكبر أسواق المغرب، بالتدريج، إلى نقطة سوداء، بل إلى “مزبلة عمومية”، حسب تعبير عدد من التجار والموظفين والزبناء الذين يقضي عدد منهم حاجته الطبيعية في الخلاء، في غياب مرافق صحية، بل غياب قنوات للصرف الصحي.
فلا شيء يبعث على “الاطمئنان” وأنت تتجول في هذا الفضاء الشاسع (31 هكتارا)، إذ تحاصرك الفظاعة والأوساخ والفوضى “الخلاقة” واللاتنظيم من كل اتجاه، حتى يخيل إليك أنك في خربة مهجورة، وليس وسط مرفق يستقبل، يوميا، حوالي ألف شاحنة وسيارة ومركبة، يتجول فيه أكثر من 35 ألف شخص، يتداولون في بورصة كبيرة للمنتجات المختلفة تتجاوز حمولتها 5 آلاف طن يوميا، وتقارب مداخيله 15 مليار سنتيم سنويا.

بلا بواب

وترافقك مظاهر الفوضى منذ البوابة الكبرى للسوق، إذ يمكن للجميع دون استثناء العبور إلى الداخل، راجلا، أو راكبا سيارة أو شاحنة، أو ممتطيا صهوة عربة مجرورة، أو على متن دراجات عادية أو نارية أو “تريبورتورات”.

الدخول “مجاني” ومتاح للجميع، حتى للصوص وقطاع الطرق وذوي السوابق و”الحباسة” ومروجي الممنوعات الذين يعيثون اعتداء و”جقيرا” في حق التجار والزبناء، في غياب شبه كلي لرجال الأمن، إذ لا يمكن لثلاثة عناصر تضعهم السلطات الأمنية لمولاي رشيد رهن إدارة السوق، سد الخصاص الكبير في الأمن، علما أن السوق كان يتوفر على مركز للقوات المساعدة يضم 14 عنصرا.
فعلى المستوى النظري، من المفروض أن يحمي ثلاثة عناصر من الأمن العمومي سوقا شاسعا تمتد مساحته لعشرات الأمتار المربعة، يضم 224 محلا تجاريا (مستودعات للبيع والتخزين مجهزة بمبردات كبرى)، وقاعتين للبيع (القاعة المغطاة وسوق أكادير)، ومحلات لتخزين الصناديق والمتلاشيات ومقهيين ومقرات إدارية، كما مطلوب منهم توفير الأمن لـ35 ألف شخص في السوق يتجولون 24 ساعة في سبع أيام في الأسبوع دون انقطاع.
فالمهمة شبه مستحيلة، إذ عادة ما يكتفي رجال الأمن بحراسة البوابة الكبرى، بينما تتعاقد إدارة السوق في إطار المناولة مع شركة خاصة للأمن توفر 22 حارسا (تقلصوا إلى 11 عنصرا) لتوفير الأمن الداخلي وحماية ممتلكات التجار وسلامتهم الجسدية من الاعتداءات المحتملة.
وحتى هؤلاء الحراس لم يفحلوا في مهتهم، بسبب عددهم غير الكافي، وكذا بسبب أوضاعهم الاجتماعية، إذ يشتكون من تأخر رواتبهم وعدم توصلهم بالتحفيزات اللازمة وساعات العمل الطويلة التي تؤثر على مردوديتهم.
والنتيجة أن تحول السوق إلى بؤرة للإجرام والاعتداءات والمشاجرات اليومية بالسكاكين والسيوف التي وصلت السنة الماضية حد ارتكاب جريمة قتل وسط السوق (حادثة الدلاح)، ناهيك عن حوادث السير المميتة، لانعدام علامات التشوير والممرات الآمنة الخاصة بالراجلين والدراجات والشاحنات والسيارات.

التوقيت المستمر!!
ويزداد الأمر صعوبة في غياب مركز للإسعاف بالسوق، بعد الإجهاز على المستوصف الصغير الذين كان يضم طبيبا وممرضين يقومون بمهام طبية استعجالية في حالة وقوع حادث، كما كانوا يوفرون بعض الأدوية البسيطة للتجار والزبناء.
وعزا تجار معتمدون بسوق الجملة تفاقم المشكل الأمني إلى عجز الإدارة عن برمجة توقيت قار لفتح أبواب السوق وإغلاقها، إذ يستمر العمل 24 ساعة على امتداد أيام الأسبوع دون انقطاع. كما عجزت الإدارة أيضا عن تحديد بداية لعمليات البيع وتوقيتا لنهايتها، علما أن اتفاقا سابقا قضى بحصر نطاق العمل في السوق من الخامسة صباحا إلى الثانية زوالا، دون أن تلتزم به.
ويخلق هذا التسيب الزمني وضعا شاذا في السوق ويؤثر على الحياة الاجتماعية لأغلب التجار الذين يرابطون بمحلاتهم ساعات طويلة حتى لا تفوتهم فرصة للبيع، كما يؤثر على الرواج التجاري العام ويشجع على المضاربات والاحتكار ويضرب المنافسة في مقتل.

مجمع القاذورات
ولا تقف الفوضى “الخلاقة” عند هذا الجد، بل تمتد إلى التنظيم العام للسوق الذي لا يخضع إلى أي منطق، حتى يخيل إليك أن هذا المرفق العمومي يسير لوحده دون إدارة.
فرغم تعاقد إدارة السوق مع شركة خاصة لجمع النفايات والأزبال، تغرق مرافقه في جبال من الخضر والفواكه المنتهية صلاحيتها، وركام من المخلفات والقاذورات وبقايا الصناديق الخشبية التي تغلق الممرات والطرق. وتكاد الأزبال تلامس حافات المحلات التجارية وتتجمع على حواشي الشاحنات ويتحمل عدد من التجار والمواطنين عناء المرور فوق برك آسنة من المياه وبقايا البول، في مشهد مقزز يبعث على الغثيان.
وينتج السوق، كباقي أسواق المغرب، أطنانا من الأزبال في الأسبوع، يعجز عمال الشركة (31 عامل) عن تجميعها وكنسها (هكتار لكل عامل نظافة!!!)، كما ينتج قاذورات من نوع آخر لا تستطيع قنوات الصرف الصحي المغلقة تحملها، ويفضل أغلب التجار قضاء حاجتهم الطبيعة في الخلاء، أو في مراحيض خاصة داخل محلاتهم التجارية غير مرتبطة، هي الأخرى، بالواد الحار، علما أن الإدارة رصدت 154 مليون سنتيم لتغيير البالوعات دون كنس المجاري.

رسوم حارقة
أكبر المصائب أن مئات التجار المعتمدين في السوق يرغمون على العيش والتعايش مع هذه القذارة التي يدفعون مقابلها، يوميا، رسوما وضرائب بملايين الدراهم (6 في المائة بالنسبة إلى البضائع الموجهة للمحلات التجارية و7.24 في المائة بالنسبة إلى البضائع الموجهة إلى القاعة المغطاة وسوق أكادير تضخ نسبة منها في جيوب وكلاء المداخيل.
وباحتساب 5 آلاف طن من الخضر والفواكه التي تلج يوميا إلى السوق، يمكن تخيل حجم المداخيل الشهرية والسنوية التي تقتطعها شركة البيضاء للخدمات من عرق التجار، دون أن ينعكس ذلك على المرفق.

يوسف الساكت / عن الصبـاح