التعادل الإيجابي يحسم مباراة «الديربي البيضاوي» بين الرجاء والوداد |
نشرة إنذارية: طقس حار مرتقب من السبت إلى الاثنين بعدد من مناطق المملكة |
«الديربي البيضاوي».. التشكيلة الأساسية للرجاء والوداد |
حافلات الدار البيضاء.. تغيير مؤقت في جزء من مسار الخط الرابط بين داوليز والسالمية |
رغم أنه بدون جمهور.. تعزيزات أمنية بملعب «العربي الزاولي» لتأمين «الديربي البيضاوي» |
حي «الحبوس» بالدار البيضاء.. عبق الثقافة والتاريخ | ||
| ||
في قلب مدينة الدار البيضاء، الغارقة في صخب لا يهدأ، يركن حي «الأحباس» أو «الحبوس» العتيق في قلب العاصمة الإقتصادية للمملكة المغربية، هاجعا إلى تاريخ قديم، ارتسم في فترة الاستعمار الفرنسي.. تنزوي منازل حي الأحباس خلف أسوار القصر الملكي، مستكينة لأشجاره الوارفة، بينما تنتظم الأزقة على نمط المدن العريقة تحاذيها أقواس وأسوار. الحبوس حيث تنتشر المكتبات، يعد من أهم أسواق الكتب في المغرب، هنا تنزل شحنات الكتب القادمة من مختلف أنحاء العالم، عبر ميناء الدار البيضاء، كي تسافر إلى مكتبات المغرب. كتب قديمة وجديدة، بالعربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية، في هذا المكان المحاط برمزية تاريخية، لأنه يرمز إلى المنطقة التي انطلقت منها الرصاصات الأولى للمقاومة المغربية، هنا في منطقة "درب السلطان"، يوجد حي الأحباس، وهي منطقة مشيدة على النمط المعماري التقليدي للمدينة العتيقة المغربية، ألق خاص، وسحر لا يقاوم. ومن هذه المكتبات نذكر، المركز الثقافي العربي ومكتبة الأحمدية للنشر، ودار الثقافة، زيادة على المكتبات المتخصصة في الكتب الكلاسيكية العربية، وفي الكتاب الديني.. هنا يمكن أن تعثر على كتب التفاسير وعلى لسان العرب وعلى آخر إصدارات المفكر المغربي عبدالله العروي، وعلى آخر الترجمات من الفرنسية أو من الإنجليزية، وعلى ما تجود به مطابع القاهرة وبيروت ودمشق والخليج العربي.
وتعود ملكيات هذه المكتبات قبل أكثر من خمسين سنة إلى بعض التجار القادمين من مدينة فاس، والذين فضلوا المتاجرة في الكتب، قبل أن ينظم إليهم تجار جدد في الكتب المستعملة، يطلق عليهم رواد الكتب «البوكينيست»، أي باعة الكتب المستعملة، وهم اليوم ينظمون معرضاً سنوياً وأصبحت لهم جمعية، تطالب بحماية تجارة الكتب المستعملة وتوفير مكان قار لها في منطقة الحبوس التاريخية. لكن منطقة «الحبوس» تتميز، أيضاً بالإضافة إلى سوق كتبها الشهيرة، بسوق«الزيتون» التي تعرض المنتوجات الجيدة من زيت الزيتون ومن ثماره المختلفة، كما تعرف ببزاراتها العتيقة، التي تعرض منتوجات الصناعة التقليدية، من ملابس ومطرزات وأدوات جلدية وجلابيب مغربية أصيلة غالية الثمن ومن نعال، وبلاغي صفراء، ومنقوشات، وخزفيات، ويمتد الأمر إلى "أعمال فنية" فطرية ولوحات رسامين ورسامات غير معروفين، وأيضاً المنتجات التقليدية المتوارثة، من قبيل الحلوى الفاسية ذائعة الصيت. «الحبوس» كما ينطقها سكان الدار البيضاء، الذي شيد سنة 1917 إبان الحماية الفرنسية، حيث بني على الطراز المغربي التقليدي بجوار «القصر الملكي» ليكون في البداية حي «الطبقة البورجوازية». غير أن التحولات التي عرفتها الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، أدت إلى أن يصبح الحي أحد «الأحياء الشعبية» العريقة في المدينة. تجمع بنايات الحي بين المعمار التقليدي المغربي وبعض مظاهر الرفاهية العصرية. وأصبح الحي حاليا نقطة جذب سياحية ويعتبر وجهة مفضلة لزوّار الدار البيضاء، خاصة أن أشهر متاجر الصناعات التقليدية في المدينة توجد في هذا الحي العريق، إضافة إلى أنه يضم أكبر المكتبات وأشهرها، حتى غدا هناك قول سائر هو «إذا لم تجد كتابا في (الحبوس).. لا تبحث عنه في مكان آخر». بهذه الصفات يجمع حي «الحبوس» بين الثقافة والمعمار. الدار البيضاء مدينة التعدد والتنوع الديني، ففيها إلى جانب ثلاثة آلاف جامع ومسجد، عدد من الكنائس والمعابد: ست كنائس كاثوليكية بناها الإسبان، أقدمها كنيسة (Buenaventura) في عام 1891، وثلاثة معابد يهودية. وتعتبر سنة 1923، نقطة تحول في الدار البيضاء، ساهمت في تأسيس المدينة الجديدة التي سمّيت حي «الحبوس» على يد المهندس الفرنسي، ميشيل إيكوشار، الذي ساهم قبلا في التخطيط لمدينتي دمشق وبيروت. وكان الهدف هو الفصل بين الحي الأوروبي في مدينة الدار البيضاء والأحياء المغربية، عن طريق بناء مدينة بمواصفات وطراز مغربيين، وبنيت المدينة في وقت قياسي بين عامي 1946 و1952. كان الفرنسيون يأملون من خلال المشروع في إكمال صورة المدينة لزيادة علاقتهم بها والسيطرة على خيراتها. وقد مرّ حي «الأحباس»، وسمي كذلك، لأنه كان عبارة عن وقف كغيره من المناطق الوقفية، التي هي اليوم تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بتحولات كثيرة، ويعرف بسوقه التقليدية التي ضمت أهم منتجات الصانع التقليدي المغربي، علاوة على حي المكتبات، الذي توجد فيه أهم المكتبات ودور النشر المغربية والعربية، والتي ساهمت في إثراء الحياة الثقافية في البلاد. أزقته تتميّز بالأقواس والقناطر، ومعها تشاهد ساحات خضراء صغيرة هي من الروعة بمكان. الجانب المعماري مستَلهم من روح الهندسة العربية الإسلامية، مضافة إليها لمسات من الهندسة الغربية والأوروبية من بقايا الحقبة الاستعمارية. واليوم يتردد السياح على هذا الحي باستمرار، بحثا عن مصنوعات تقليدية من ملابس وحلي وحقائب جلدية وأوانٍ نحاسية ومصنوعات خشبية، وسجاد يدوي يعبر عن الأصالة المغربية. وتعرض المصنوعات التقليدية بكثرة على الواجهات والأرصفة، حيث توجد «البازارات» التي تضمّ حوانيت الصناعات اليدوية المختلفة، ابتداء بالملابس التقليدية التي حاكتها أيادي الصنّاع التقليديين كالجلباب والقفطان الذي تبدع فيه أيادي الصناع أشكالا وتطريزا، وفي مكان ملاصق متجر لبيع الأواني والديكورات النحاسية والفضية، مثل الأباريق (جمع إبريق)، الذي يعرف عند المغاربة باسم «البراد»، وعلى مسافة قريبة يجد الزائر أمامه السجاد المعقود والمنسوج بالشكل التقليدي، والديكور المصنوع من خشب العرعار. وثمة محلات تجارية أخرى لافتة مثل «القاعة»، وهي عبارة عن مجموعة من الدكاكين متخصّصة في بيع الزيتون وزيت الزيتون و«المخللات» و«الخليع»، وهو عبارة عن لحم مجفف في الشمس ومنقوع في الشحم، أشبه ما يكون باللحم القديد، وعادة ما يُستهلك في الإفطار بكثرة في الأيام الباردة حين يضاف إلى البيض المقلي. ومن أهم الأمكنة الأخرى التي تجذب زوار حي الحبوس المحلات المتخصصة في ببيع الحلويات المغربية بجميع أنواعها، وكذلك الفطائر. كذلك، على الرغم من انتشار «كتب الإنترنت»، فإن مكتبات حي الحبوس لا تزال قبلة للباحثين والكتاب والمثقفين والطلاب، ويضم بعض هذه المكتبات كنوزا فكرية ومعرفية وأدبية حقيقية، وتوجد جميعا متراصة ومتجاورة تعرض كل ما جادت به المطابع، سواء من داخل المغرب أو من خارجه، من تراث فكري وإنساني في مختلف التخصصات. وفي حي «الحبوس» يوجد زقاق خاص لا يوجد به سوى «مكاتب العدول» الذين يتولّون تحرير عقود الزواج، وكذلك تحرير العقود التي تعتبر قانونية أمام المحاكم، وفي هذا الزقاق يقوم صرح تاريخي له طابع معماري مغربي مميز تحتله المحكمة، وهو من أعرق بنايات المحاكم في المغرب على الإطلاق، وبجوار المحكمة يقع المسجد المحمدي الذي يجمع بين التراث والأصالة. ثم، من الأمور اللافتة في «الحبوس» ساحة «الدلّالة» (بتشديد اللام)، التي يقصدها كثيرون من مختلف أحياء الدار البيضاء، كونها المكان المشهور بالمزادات العلنية التي يباع فيها كل شيء. تقع ساحة «الدلّالة» وسط المحلات التجارية التي شيدت خلال فترة الحماية الفرنسية على المغرب. ويجتمع الناس هنا على شكل دائري بعد منتصف النهار، وهو الوقت الذي يغلق أصحاب المحلات دكاكينهم لتناول الغداء. ويجري عرض البضاعة من خلال الدلال أو الدلالة، وهي في الغالب أثاث منزلي مستعمل أو ملابس فيها عيوب تصنيعية. وعادة ما يتميز الدلالون، من النساء أو الرجال، بخفة الدم وقدرتهم على جذب الزبائن وتحفيزهم للشراء. ثم تبدأ بعد ذلك المزايدات على البضائع إلى أن يستقر سعرها على ثمن محدد. وعندها يعرض السعر الذي رسا عليه المزاد على صاحب البضاعة، فإذا وافق، تكتمل عملية البيع. وتبلغ أتعاب الدلالين خمسة في المائة من قيمة السلعة التي تباع. أيضا من أشهر وأعرق ما في «الحبوس» المقاهي، التي مرت على عدد منها أحداث وشخصيات طبعت تاريخ الحي، بل والمغرب عموما، ببصمات تتناقلها الأجيال. والملاحظ أن مقاهي الحبوس، حافظت على هندستها الداخلية والخارجية، وبقيت وفية للزمان والمكان لا يتغير فيها شيء سوى الوجوه. وحولها يقول أحد سكان الحي: «إن مقهى (المقاومة)، الذي كان يُعرف باسم مقهى (علال)، كان أكبر مقهى في الحي. وفيه كان يجتمع المقاومون سرا لإعداد خططهم ضد عسكر المستعمر الفرنسي. وكانوا في معظم الوقت يتبادلون الإشارات خشية العيون المبثوثة التي تراقبهم». ومن هذا التاريخ، وهذه الأجواء، لا تزال تقتات مقاهي الحي من تاريخها. فهناك حكايات في كل مقهى تنتقل بالتواتر بين رواده، جيلا بعد جيل. وهكذا أصبح أيضا حي الأحباس ذاكرة الدار البيضاء، ذاكرة ظلت متقدة على مدى قرن كامل. | ||