التعادل الإيجابي يحسم مباراة «الديربي البيضاوي» بين الرجاء والوداد |
نشرة إنذارية: طقس حار مرتقب من السبت إلى الاثنين بعدد من مناطق المملكة |
«الديربي البيضاوي».. التشكيلة الأساسية للرجاء والوداد |
حافلات الدار البيضاء.. تغيير مؤقت في جزء من مسار الخط الرابط بين داوليز والسالمية |
رغم أنه بدون جمهور.. تعزيزات أمنية بملعب «العربي الزاولي» لتأمين «الديربي البيضاوي» |
محمد كرم: هكذا عرفت وجايلت الراحل محمد الصبري | ||
| ||
تعرفت على الفقيد منذ الطفولة، فقد كنا جارين، نقطن في نفس الزقاق بحي درب الكبير الذي اشتهر بمذبحة جنود اللفيف الأجنبي سنة 1947 عشية سفر الملك محمد الخامس إلى المنطقة الدولية، وهو التدخل الدامي الفظيع الذي سعى من خلاله المستعمر الفرنسي إلى عرقلة سفر الملك الراحل إلى طنجة في التاسع من أبريل من تلك السنة. كنت قد التحقت قبل الفقيد بمدرسة بوشعيب الأزموري الحرة سنة أو سنتين على ما أذكر، إلى جانب مجايلي من نفس الحي محمد صبري "بولحية"، لحسن مختبر، وعبد الحق الهيلالي. وهكذا ارتبطنا بأواصر الصداقة والوفاء مدة تزيد على نصف قرن إلى أن غادرنا من غادر إلى دار البقاء، وآخرهم العزيز الغالي أبو زهير. إني أعلم للراحل مناقب وخصالا جمة، إلا أن الخيط الرابط في تقديري بين هذه الخصال، التي أصبحت عملة نادرة في زمننا الرديء، هو الزهد، فقد كان محمد الصبري، أو ولد السي بوشعيب كما كان يحلو لنا أن نطلق عليه ونحن صغار، الزهد في المال، الزهد في المنافع المادية، الزهد في المظاهر الكاذبة، الزهد في المناصب، الزهد في الارتقاء الاجتماعي. مقابل زهد الراحل في ما كان يتهافت عليه الآخرون بشغف، نجد ثراء الرجل وغناه بمعاني وقيم الصدق والوفاء والنبل والإيثار والتضحية بالغالي والنفيس من أجل فكرة، أو مبدأ أو رأي، أو عقيدة. ونجد تشرب الرجل بالمعاني المشرقة للدين في وسطية وتفتح، ونجد الحزم في تنفيذ المهام الموكولة إليه، ونجد الكفاية العالية في تدريس الناشئة، والصرامة دون تفريط في تربية فلذات كبده. قبل أن يلتحق الفقيد بسلك المحاماة سنة 1978، كان السي محمد قد جرب التعليم، ويشهد تلامذته وطلبته، وهم كثر، بحنكته ومهنيته، وسعة علمه وثقافته. وكان وهو لازال في سن المراهقة قد بدأ يهتم بالشأن العام من خلال جمعية نادي الوعي العتيدة، مرورا بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب، والنقابة الوطنية للتعليم التي كان أحد مؤسسيها، ثم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية "الاتحاد الاشتراكي" في طبعته الأصيلة. لا أذكر للرجل منذ تنزيل الميثاق الجماعي لسنة 1976 الذي أعقب المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو المؤتمر الذي تبنى الاختيار الديموقراطي، أنه سعى لترشيح نفسه في أي استحقاق من الاستحقاقات الجماعية أو التشريعية التي شهدها المغرب إلى غاية انتخابات 4 شتنبر الأخيرة بالرغم من الإلحاح عليه، لكونه كان يؤمن إيمانا راسخا يكاد يصل إلى حد التصوف أن المناضل الحقيقي هو الذي يعطي ولا يأخذ، ومن هذا المنطلق لم يتردد الفقيد في المساهمة في جميع الانتخابات المهنية للمحامين بالدار البيضاء، وكان الدينامو المتقد لدعم وفوز زمرة النقباء وأعضاء المجالس الشرفاء خلال أزيد من ثلاثة عقود، وكان بيته يعج بالمناضلين الذين يتسابقون للحصول على تزكيته قبل تزكية الحزب الرسمية. وعلى العكس من ذلك ستعثر على اسم الراحل وستسمع صوته يجلجل بقوة بكلمة الحق داخل قاعات وردهات محاكم الدار البيضاء، والرباط، وبني ملال، وفاس، وسطات، وخريبكة، في جل محاكمات معتقلي الرأي والنشطاء النقابيين التي عرفها المغرب خلال سنوات الجمر والرصاص، حيث كان الانتصاب لمؤازرة المعتقل السياسي أو النقابي يعتبر جريمة لا تغتفر في عرف النظام السائد آنذاك. لم يعرف عن الرجل أنه قبل أن يتسابق على موقع سواء على المستوى المحلي أو الوطني، غير أنه كان دائم الحضور عندما يتعلق الأمر برأب الصدع والتقريب بين الإخوة الأعداء، وابتكار الحلول التي من شأنها تجاوز الإشكالات التنظيمية الطارئة والتي غالبا ما تكون خلفيتها الوازع الذاتي والتهافت على المواقع. كان رجل الإصلاح بامتياز، وطينة خاصة من المناضلين النادرين في مجتمع متهافت غابت عنه القيم والمبادئ، فطوبى لك عزيزي السي محمد، وطوبى لرفيقة حياتك الأخت رشيدة أطال الله عمرها، وستظل حاضرا بيننا بصدقك ونزاهتك ووفائك، ونبراسا منيرا، واقفا باعتزاز أمامنا كشجرة السنديان، فالأشجار تموت واقفة. | ||