التعادل الإيجابي يحسم مباراة «الديربي البيضاوي» بين الرجاء والوداد |
نشرة إنذارية: طقس حار مرتقب من السبت إلى الاثنين بعدد من مناطق المملكة |
«الديربي البيضاوي».. التشكيلة الأساسية للرجاء والوداد |
حافلات الدار البيضاء.. تغيير مؤقت في جزء من مسار الخط الرابط بين داوليز والسالمية |
رغم أنه بدون جمهور.. تعزيزات أمنية بملعب «العربي الزاولي» لتأمين «الديربي البيضاوي» |
المرنيسي.. امرأة تحلّق بأجنحة الحلم | ||
| ||
تميز الأعمال الفكرية والأدبية لعالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي، التي رحلت منذ أيام، بنَفَسها السجالي الخاص، وبألقٍ لا يتوفر للكثير من الباحثات العربيات. وقد جعلها عمق عملها على موضوع المرأة وأصالته أهم سوسيولوجية عربية على الإطلاق. استطاعت أن تفكّك حلقات الجسد الأنثوي العربي، وأن تتحدّث عنه انطلاقًا من معرفة عميقة بالتراث وبمكتسبات الأنثربولوجية الاجتماعية. ولعل كتابها السيرذاتي "نساء على أجنحة الحلم"، الذي يمكن عدّه من حيث الشكل، نصًا سرديًا ذاتيًا، يحكي تفاصيل من طفولتها في مدينة فاس العتيقة في فترة أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، يمثل التمهيد العملي لأساس ذلك "النزق المعرفي" الذي رافقها طيلة حياتها الحافلة بالعطاء العلمي وبالمواقف، والانتماء الصميمي إلى مجتمع النساء وتطلّعات المرأة العربية إلى التحرر من "الجسد الحريمي" الذي رافقها طيلة عقود. تكتب فاطمة المرنيسي في "نساء على أجنحة الحلم"، الذي نقلته إلى العربية المترجمة فاطمة الزهراء أزرويل "كانت أمي التي تكره الحياة الجماعية في الحريم، وتحلم بالعيش منفردة مع أبي، لا تقبل ما تدعوه التلاؤم مع الأزمنة إلا على شرط أن لا يكون هناك تمييز بين النساء". فقد نشأت الطفلة التي ستصير كاتبة واسمًا كبيرًا في الثقافة المغربية الحديثة، داخل جوٍ حريمي في فاس البالي، أو فاس المدينة القديمة، زمن الأربعينيات، في وقت كانت فيه البلاد تحت نير الاستعمار الفرنسي. هناك، في ذلك المكان، كل شيء خاضع لصرامة النظام الداخلي، بما في ذلك فضاء البيت وبنيته المعمارية، فضاء يؤكد هذه النظرة الحريمية للمرأة، ويعززها. هذا الالتزام بالنظام يضعه الرجال، وينفذه الجميع على حدّ سواء. فالجميع مشمول به، بما في ذلك الأطفال. ومن ذاكرة طفولتها تطلّ صورة جدتها، التي ورثت تقاليد الصرامة في البيت، تكتب: "تكره جدتي اللهو بالماء والأقدام المبتلة، وفعلًا إذا ما جرينا نحوها بعد مرورنا قرب النافورة، تأمرنا دائمًا بالتزام مكاننا "لا تكلميني حين تكون قدماك مبتلتين، اذهبي لتنشفيهما أولًا". وتبعًا لذلك، فإن من يخرق قانون الأقدام النظيفة والمبتلة، تسقط عليه اللعنة حتى النهاية". في مجتمع الحريم، هناك قانون للعب لا يمكن خرقه، وهذا القانون، هو جعل الحياة الداخلية مشمولة بالسرية، بحيث لا يمكن فضح المناخات الحميمية للحريم أو إخراج أسراره إلى العالم الخارجي. وفي هذا الإطار تورد واقعة طريفة من خزّان طفولتها "لن أنسى ما حييت، المرّة الأولى التي اتهمتني فيها النساء، أنا وسمير بالخيانة، لأننا قلنا لأبي بأننا استمعنا إلى إذاعة القاهرة، حين سألنا ذات يوم، كما قمنا به في غيابه، وكان جوابنا يكشف عن وجود مفتاح غير شرعي، بل كان يعني أن النساء استحوذن على المفتاح ليصنعن منه مفتاحًا آخر مطابقًا. زمجر أبي غاضبًا "إذا توفرن اليوم على مفتاح آخر للراديو، فسيكون لهن غدا مفتاح آخر للباب الكبيرة". لم يكن الأمر ليمرّ مرور الكرام، فكان لا بدّ من تحقيقٍ، لمعرفة من يكون وراء هذا التسرّب "تلت ذلك خصومة عنيفة، واستجوبت النساء الواحدة تلو الأخرى في حجرة الرجال. وبعد يومين من البحث تبيّن أن المفتاح نزل من السماء، ولا أحد يعرف له مصدرًا. ولكن النساء بعد ذلك انتقمن منا نحن الأطفال، واتهمننا بالخيانة، وهددن بإبعادنا عن دائرة لهوهن". في هذا العالم المغلق، تكبر نوازع التطلّع للحرية، والرفرفة ما وراء الأسوار، ولو بجناحين وهميين. إنه الحق الأكيد في الحرية: "النساء كنّ يشعرن بحرية التجوّل في الأزقة، وأشهر حكايات عمتي التي كانت تحتفظ بها للمناسبات الكبيرة، حكاية "المرأة ذات الأجنحة" التي تطير من الدار حين ترغب في ذلك، وكلّ مرة كانت تحكي فيها الحكاية، تشدّ النساء تلافيف القفاطين إلى الحزام، ويشرعن في الرقص فاتحات أذرعهن كما لو كن سيطرن. وقد زرعت ابنة عمي شامة ذات السابعة عشرة الحيرة في ذهني، حين نجحت في إقناعي بأن النساء يتوفرن على أجنحة خفية، وأن جناحيّ أنا الأخرى سيكبران فيما بعد". تخرج فاطمة المرنيسي من خلال وقائع طفولتها بخلاصة سيكون لها ما بعدها: أنه إذا سادت ماكينة المنع على ما سواها، فإنه سيكون من المستحيل تمامًا التحليق خارج الأسوار. فالسور ليس حالة مادية فقط من طوب وحجر وإسمنت، ولكنه حالة نفسية أولًا وأخيرًا. لكن، ما ثمن التمرّد على التقاليد؟ وهل يمكن اختراق القواعد من دون دفع الثمن؟. الجواب يأتي سريعًا على لسان المرنيسي: "كلما تخرقين القواعد تتعرضين للعنف". من حسن الحظ، أن فاطمة المرنيسي الطفلة، حظيت ببعض التسامح، أو لنقل التساهل في طفولتها، من طرف والدها المنضبط لصرامة التقاليد، حتى أن ذلك التساهل كان يثير حفيظة والدتها. | ||