الخميس 28 نونبر 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

مصطافون يرثون شاطئي «السعادة» و«الراحة» في كازابلانكا

كازا 24 الجمعة 21 يوليوز 2017

خالد العطاوي/ عن: الصباح

ولى زمن العربة المجرورة بالدواب أو ما يعرف ب"كرويلة" التي تمنح شباب الحي المحمدي وعين السبع الاستمتاع بشاطئ "السعادة" بدرهم واحد،  وغابت حافلات النقل "32 مكرر" باكتظاظها الغريب، ولصوصها، وفتواتها، ومراقبي التذاكر الشداد والغلاظ الذين يواجهون من سولت له نفسه اللعب بين شاطئ "النحلة" مجانا، كما اختفى، إلى الأبد، مشهد مسيرات عائلات  تقطع عشرات الكيلومترات مشيا على الأقدام متجهة إلى الشاطئ، ومحملة بوجبات العدس واللوبيا من أجل تذوق طعمها الممزوج بماء بحر "الراحة".

في زمن "ليدودان" و"تريبورتور"، وحفر الأزقة بعدد نجوم السماء، والطرامواي، وغبار الأشغال التي لا تنتهي بالعاصمة الاقتصادية.... اختفى شاطئ "الراحة"، وحجب الاسمنت بحر "السعادة"،  في حين مازال شاطئ "النحلة" يقاوم التلوث والعزوف عنه.

في بداية الألفية كانت الشواطئ الشرقية للمدينة تتفوق بجودة مياهها ونظافتها، ف"النحلة" كان يقصده هواة كرة القدم، و"السعادة" يحضن الشباب، المولعين بالسهر، و"الراحة" يستقبل العائلات.. أما  شاطئا "زناتة الصغيرة والكبيرة" بالبرنوصي، فقد كان يقصدهما أثرياء المدينة من يملكون فيلات صغيرة تطل على البحر أو يملكون وسيلة نقل خاصة.

بدأ رونق الشواطئ الشرقية بالبيضاء يتراجع، ثم حلت الكارثة، ففقدت هيبتها أمام شواطئ عين الذئاب ودار بوعزة وطاماريس والمحمدية، حين صدر سنة 2011 تقرير وطني حول مراقبة جودة مياه الاستحمام بالشواطئ الوطنية، وكشف أن مياه هذه الشواطئ ملوثة بالمياه العادمة، ومخلفات المصانع التي توجد على طول الشريط الساحلي الرابط بين البيضاء والمحمدية، ثم طويت "حياة" الشواطئ الذهبية إلى الأبد.

شاطئ "الراحة"... الاصطياف العائلي

إذا لم تزر يوما شاطئ "الراحة"، فأكيد أنك تجهل نكهة الاصطياف العائلي، فقد جسد الشاطئ عقدا ذهبيا أمام كل شواطئ البيضاء.

يقع شاطئ "الراحة" بمنطقة عين السبع، وهو شاطئ صخري، حسب المد والجزر،وهو امتداد لشواطئ أكثر شهرة، في ذلك الوقت، وتبتدأ من الميناء أو ما يطلق عليه اسم "المون"، وهو أيضا مصدر رزق عائلات بأكملها، فقد كان شباب ونسوة الأحياء المجاورة له يقصدونه، بحثا عن "بوزروك" أو بعض الأسماك الصغيرة، والأعشاب البحرية التي يطلق عليها "الربيعة" من أجل بيعها.

في الصيف يصبح "الراحة" قبلة لهواة الاصطياف، إذ تقصده العائلات من أجل التخييم لمدة تقارب الشهر مقابل أجر زهيد،  حينها يتحول إلى فضاء للقاء الأسر وإحياء السهرات ومتنفسا للأطفال يمكنهم من اللعب واللهو بأمان كبير، بل إن أحد مدمني الاصطياف به يجزم أن تلك اللقاءات طالما أسفرت عن زيجات بين الأسر، تبتدئ بنظرات إعجاب الشباب وتنتهي بلقاءات رومانسية فوق الصخور غالبا ما يضبطها الآباء، وتنتهي بحفلات الزواج.

كان شاطئ "الراحة" يبعث، فعلا، على الراحة، إذ يوجد في منطقة تبعث الهدوء في النفس، فتأسر المصطافين بفضائها الرومانسي، ويجدون أنفسهم وسط طبيعة خلابة تنتشلهم من القلق والتوتر، وتداوي إرهاقهم وجراحهم، وأمام تعدد لقاءات الأسر بالشاطئ تتوطد علاقاتهم، ويتحول الصيف إلى لقاءات ممتعة.  

ظل شاطئ "الراحة" مصدرا للاستمتاع، فهو مقصد كل أسرة تبحث عن مكان لقضاء العطلة الصيفية، دون كوابيس المصاريف الإضافية التي تثقل كاهلها، فثمن الاصطياف بالشاطئ زهيد جدا، ناهيك أنه يتميز بالبعد عن صخب المدينة، رغم وجوده قرب أحياء صناعية، إذ جرت العادة، آنذاك، أن تستقر الأسرة به، في حين يعمل معيلها نهارا، ويعود إلى الشاطئ ليلا.

الآن، اندثر شاطئ "الراحة"، بل لم يعد أحد يتذكر اسمه، واختفى جماله وروعته، وغابت طلته على البحر، وتاه عشاقه، فقد لجأت السلطات إلى سياسة "القتل الرحيم" للشاطئ، بمنع الاصطياف به، أولا، قبل أن يصبح مهجورا ومهملا تعلو رماله أطنان من النفايات، و تشرع الآليات الضخمة في الإجهاز عليه لبناء طريق اسمنتي.

 

شاطئ "السعادة"... اختفاء الجوهرة

أشهر شواطئ عين السبع على الإطلاق، ويقع بين شاطئي "الراحة" و"النحلة"، واحتضن، طيلة سنوات، ذكريات كل البيضاويين، خصوصا سكان عين السبع  والبرنوصي والحي المحمدي، فقد ظل شاطئ الفقراء بامتياز، وكان يتميز برماله الذهبية وأمواج البحر الهادئة، مقارنة مع الشواطئ المجاورة له، فشكله شبه الدائري جعله، مثل بحيرة يسبح فيها المصطافون بكل الحرية، أما مساء فيصبح صخريا يقصده  هواة الصيد بالقصبة، غير عابئين ب"قادوس" كبير يلفظ المياه الملوثة.

لا أحد يعلم سبب إطلاق اسم "السعادة" على الشاطئ، إلا أن ارتياده، يوميا، يخلق جوا من الألفة مع رماله، فيعتاد الزوار على تفاصيل الاستمتاع بأمواج البحر.

 في الشاطئ تعثر، آنذاك، على مدمني الحشيش ممددين في أقصى زواياه، بعيدا عن "باراسولات" الأسر، وأمام مقهى "عشوائية"، وفي ركن آخر تعثر على هواة القفز بالماء مستغلين صخرة "فريميجة"، في حين يفضل آخرون الرمال الذهبية بمدخله التي تجذبهم.

الحياة بالشاطئ كانت ممتعة، فهناك رجال الوقاية المدنية والمقاهي ومحلات المواد الغذائية، إذ ساهم قربه من الطريق الرابطة بين البيضاء والمحمدية في الحصول على وجبات أكل خفيفة بأقل الأسعار.

قاد شاطئ "السعادة"، في إحدى السنوات، إلى توقيف رئيس جماعة عين السبع، إذ يتذكر سكان الحي قرار العزل الذي وقعه شكيب بنموسى، وزير الداخلية آنذاك، بعد اتهام الرئيس بالترخيص لهدم "منشآت في ملك الجماعة، بدعوى الإصلاح، وذلك لصالح مستغل مقهى بشاطئ السعادة، حتى يتمكن من استغلال الواجهة المطلة على البحر، على حساب تدمير مرافق صحية ومركز للوقاية المدنية والإسعاف ومصالح الأمن الوطني، كما وقف عليه تقرير مفصل للمفتشية العامة للإدارة الترابية التي عاينت هدم مرافق عمومية بالشاطئ البلدي عين السبع لتمكين صاحب مقهى من احتلال الملك العمومي والواجهة البحرية. 

بدأ الشاطئ يفقد نكهته بعد انتشار المقاهي، وأصبح يفتقر  إلى المرافق الأساسية العمومية، فغاب "الدوش" والمرحاض، لكنه ظل يستقبل يوميا المئات من المصطافين الأوفياء، قبل أن تصيب مياهه لعنة التلوث، بعد نشر تفاصيل تحاليل عينات مأخوذة من مياهه تشير إلى أنها تحتوي على جراثيم «إ.كولي» والكثير من العصيات البرازية والمكورات العنقودية البرازية، وهي النتائج التي جعلت الحكومة تصنفه ضمن عشرة شواطئ أكثر تلوثا في المغرب، وتنصح بعدم السباحة في مياهه حماية للمصطافين من الأمراض.

الآن، شاطئ عين السبع يلتحق بقائمة الشواطئ المختفية، بعد قرار بناء طريق فطرد المصطافون من رماله الذهبية، وحجبت جدران إسمنية مشهد البحر عن الأنظار.

سرع مشروع الطريق الساحلي، يمر عبر الشريط الساحلي الرابط بين ميناء البيضاء ولوجستيك زناتة، اختفاء شاطئي"الراحة" و"السعادة، فقد أدى المشروع إلى إعدام فضاءات والمساس بمصدر رزق عائلات كانت تستفيد من مبالغ مالية بعد بيع "بوزروك"، إضافة إلى إفلاس مستثمرين في المقاهي وجدوا أنفسهم يندبون حظهم العاثر، ففي السابق كانت المقاهي تطل مباشرة على البحر، وكان الزبناء يأتون للاستمتاع بالمشهد، الآن أصبح البحر بعيدا جدا وتحجبه الأشغال عن العيون، بالإضافة إلى التلوث والروائح الكريهة.

مشروع تهيئة منطقة اللوجستيك

 يهدف مشروع تهيئة المنطقة اللوجستية "ميطا-الدار البيضاء"، حسب دفتر تحملات، إلى تخفيف الضغط على الطرق المحاذية للميناء، وتحسين ظروف نقل البضائع وسيولة حركة الشاحنات على مستوى الطريق الرابطة بين الميناء والمنطقة اللوجيستية زناتة والممتدة على 323 هكتارا، وهو مشروع تطلب استثمارات تقدر بـ 700 مليون درهم، بشراكة بين وزارة النقل والتجهيز والوكالة الوطنية للموانئ، لإنجاز طريق بحري على امتداد أكثرمن أربعة كيلومترات وتوسيع الشبكة الطرقية على طول نحو 10 كيلومترات، وذلك للتخلص من المشاكل التي تسببها حاويات الصناديق الحديدية والشاحنات الضخمة التي تنقل السلع، والتي تتجه من ميناء البيضاء إلى داخل المدينة، منها الاكتظاظ والتلوث وحوادث سير في كثير من الأحيان.