حسن البصري/عن:الأخبار
جلس المسؤول الليبي والخوف في عينيه يتأمل القاعة الفسيحة لقصر المؤتمرات بالصخيرات، كان الرجل مدعوا لحضور مناظرة حول كرة القدم الإفريقية، لكنه تذكر بلده التي تمزقه الأحقاد، واستحضر محاولات الصلح الفاشلة التي احتضنها نفس الفضاء بحثا عن أنصاف حلول لقضية متشعبة، قبل أن يعود المفاوضون إلى قواعدهم وينضمون إلى كتائبهم ويصرون على التوقيع على الوئام الوطني بالبارود والدخان. على امتداد يومين تحول قصر المؤتمرات بالصخيرات، إلى قمة إفريقية لزعماء وقادة الكرة في القارة السمراء، ككل المؤتمرات هناك جلسة عمومية توزع فيها المجاملات وتتلى رسالة البلد المستضيف ثم ينتهي الأمر بتوصيات مصبرة. ارتبطت الصخيرات بمواجعها التي لا تتوقف إلا لتفسح المجال لمواجع آخرى، فالمدينة الصغيرة التي ظلت حاضرة في الذاكرة المغربية بالانقلابات العسكرية والرياضية والسياسية، لا تغيب عن العناوين الرئيسية للصحف والنشرات الإخبارية، وكأنها خلقت لتصنع الحدث الأسود وتلفه في أكفان بيضاء. كل الرسائل الملكية الموجهة لمناظرات الرياضيين تتحول إلى ورود بلاستيكية تزين صالونات الوزراء ورؤساء الجامعات، فقد تلا وزير الشباب والرياضة رشيد الطالبي العلمي الرسالة، بعد حوالي عشر سنوات على رسالة مماثلة لازالت تنتظر التنزيل تلتها الوزيرة السابقة نوال المتوكل، التي كانت تتابع الخطاب ولسان حالها يقول يا ليت الاستوزار يعود يوما لأحكي له ما فعل المشيب. ولأن الزمن كفيل بوضع طبقات غبار على الذاكرة فقد نسي الرياضيون توصيات الرسالة الملكية الأولى وتم تحويلها إلى مجرد ديباجة لمعاهدات ومواثيق عابرة. في قصر المؤتمرات بالصخيرات ينتشر أطفال المدينة حول المكان ينظرون بعيون الإبهار لسيارات سوداء فارهة يحرسها رجال أشداء على الأطفال رحماء بينهم، ويمنع رئيس فريق المدينة من دخول قاعة الاجتماعات ليقول للضيوف بنبرة حزينة: سادتي اعلموا أنكم تقيمون جمعكم المبارك في مدينة لا يجد شبابها ملعبا لممارسة هوياتهم، هنا لا يفرق رئيس المجلس البلدي بين دعم الرياضة وبين الصدقة الجارية، لا تصدقوا نسائم البحر العليلة فخلف هذا الفضاء الفسيح أكبر تجمع صفيحي في المغرب، رجاء تمعنوا في الرسالة الملكية جيدا ولا تستظهروها في حملاتكم الانتخابية، فحقوق التأليف محفوظة.
في قصر المؤتمرات سقطت جامعة الفاسي الفهري في الامتحان، وأنهت ولايتها على إيقاع الركل والرفس والشتم وركلات الجزاء من تحت الحزام، حينها تبين للجميع أنه لا يوجد في مجتمع الكرة مسير أملس. في هذه الربوع شهد المغرب أول خيانة عسكرية وأصبحت الصخيرات مرادفا للانقلابات، غير بعيد عنها غرق القيادي الاتحادي أحمد الزايدي في قعر وادي الشراط، وبالقرب منها داس قطار قيادي البيجيدي عبد الله باها، وغرق أطفال التيكواندو الأبرياء في شاطئ البسطاء غير المحروس إلا بعناية ربانية. استغل أحد مسؤولي اتحاد الكرة السيراليوني تواجده في الصخيرات، فغاب عن الحصة المسائية للمناظرة، وشوهد وهو يتمدد على شاطئ البحر ويعلن استقالته من التوصيات، قضى المسؤول ثلاث ساعات من الاستجمام بعيدا عن صخب المناقشات البيزنطية، ثم عاد إلى قواعده سالما، وهو يمني النفس بمناظرة سنوية في نفس المنتجع. في ظل هذه النكبات ألا تحتاج الصخيرات إلى المكي من جديد، فهو رجل المرحلة القادر على انتشال المدينة المصابة بالصرع من عللتها، وهو المعالج الطبيعي لأورام الكرة في بلد يعالج الفقر بالكي.
|