الأحد 9 مارس 2025
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13
تابعونا على الفايسبوك

من الدار البيضاء إلى برازيليا.. رحلة زينب نعينعة في عوالم الطبخ

السبت 8 مارس 2025

وهيبة الرابحي (ومع)

في ورشتها المغمورة بعبق القرفة والزعفران والكزبرة، تقف زينب نعينعة بكل تركيز، ويدها مغمورة بالسميد الذي تعجنه بصبر مستمد من التقاليد العريقة، وهي تراقب بعناية صلصة تغلي على النار وتضبط توابل الطاجين الذي يطهى على مهل. هنا، في قلب برازيليا، حيث تتناغم حرارة الفرن مع دفئ القلب، تتجسد روح المغرب في كل طبق تحضره.

قبل عشرين سنة، غادرت زينب المغرب للالتحاق بزوجها بالبرازيل، حاملة أسرار الطهي المغربي الأصيل الذي ورثته عن أمها، حيث تعلمت في ظلال مطبخ العائلة فن الصبر والتذوق. وهي اليوم تروي قصة تلاق بين ثقافتين، مما جعلها تنجح في مهمتها. ففي كل لقمة، تقدم زينب جزءا من بلدها، المغرب.

وقالت زينب نعينعة، في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنها "مسؤولية جسيمة"، مدركة أنها باتت، بطريقتها الخاصة، سفيرة للمطبخ المغربي.

وتبرز قصتها في تفاصيل طفولتها بمدينة الدار البيضاء التي تضم الأسواق النابضة بالحياة، ورائحة الخبز الساخن الذي يخرج من الفرن، والمناسبات العائلية التي تزين خلالها المائدة بالألوان والنكهات.

وبدأت حكايتها مع الطبخ في البلاد الجديدة داخل منزلها، إذ اكتشف بعض الأصدقاء والأقارب براعتها الفائقة في الطبخ التي بدأوا في تقديمها للعموم.

ومن هنا ولدت فكرة جعل هذا النشاط مصدر دخل.

وفي خضم جائحة "كوفيد-19"، أطلقت نعينعة خدمة الطهي "أروماس ماروكينوس" التي تقدم حسب الطلب، ولقيت نجاحا كبيرا جذب عددا متزايدا من الزبناء، مما شكل إشارة دالة على شغفها الذي أخذ بعدا جديدا، مدعوما بصفحة على موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام" الذي فتح لها أبواب نجاح غير متوقع.

وبابتسامة بادية على محياها، تقول زينب نعينعة "صدقوني، عندما يتذوق الناس طعامنا، فإنه يبقى راسخا في ذاكرتهم"، و مع مرور الوقت، استطاعت بناء علاقة من الثقة مع زبائنها، بفضل أطباق الكسكس، واللحم بالبرقوق، والرفيسة، والبسطيلة بالدجاج واللوز، والزعلوك، والحلويات، وهي أطباق تتزايد الطلبات عليها.

وتؤكد نعينعة، التي يشيد المقربون منها بمهارتها في إبراز النكهات المميزة، أنها ما زالت وفية للأذواق التي نشأت تحت ظلالها، وترى أن الرهان نجح لأن "البرازيليين يحبون التوازن الدقيق بين النكهات".

ولا يتوقف هاتفها عن الرنين بسبب الكم الكبير من الطلبات.

بدءا من البرازيليين الذين يبحثون عن نكهات جديدة، وصولا إلى السفارات التي تسعى للأصالة في حفلاتها الرسمية، الجميع يتهافت على بسطيلاتها المقرمشة وكسكسها الممزوج بنكهات أصيلة.

وتتلقى في المتوسط عشر طلبات أسبوعيا، وأحيانا أكثر في المناسبات الخاصة، وتنظم حفلات استقبال تتسع لـ 25 مائدة، وتدير كل شيء من الخدمة إلى الديكور. تساعدها في المطبخ برازيليتان قامت بتدريبهما، لكن تبقى التوابل واللمسات الأخيرة من اختصاصها.

ورشتها، التي تقع في "أغواس كلاراس"، إحدى المدن التابعة للعاصمة، تشبه مغارة علي بابا.

على طاولتها الكبيرة المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، تبرز ميزان رقمي إلى جانب أدوات المطبخ المتطورة وأطباق التقديم التي جلبتها من المغرب.

كل قطعة لها قصتها، وكل أداة لها مكانها الخاص.

لا تترك زينب شيئا للصدفة، فحرصا على أصالة أطباقها، تختار مورديها بعناية وتعد التوابل بنفسها للحفاظ على طراوتها، غير أنه لا يزال من الصعب الحصول على بعض المواد والمنتجات.

وأشارت زينب، التي تستخدم في أطباقها مكونات محلية، وتستورد أخرى من المغرب للحفاظ على جودة أطباقها، إلى أن "الزعفران مثلا، إذا كان متوفرا، فغالبا ما يكون من علامة تجارية واحدة، لدى بائع واحد، وبسعر مرتفع".

وترى أن المطبخ المغربي فن لا يعتمد فقط على النكهات، بل أيضا على اللحظات التي يخلقها. "إن أجمل الذكريات تنشأ غالبا حول وجبة شهية نتقاسمها"، تقول زينب، التي تولي اهتماما لأدق التفاصيل، فتقدم أطباقها في أوان تقليدية من السيراميك أو البورسلان، تجسيدا لفن العيش المغربي.

وأكدت أن "الطبخ ليس مجرد مسألة طهي، بل انغماس ثقافي"، مشيرة إلى أن بعض زبائنها، الذين سحرهم هذا المزيج الفريد من النكهات والتقاليد، انتهى بهم الأمر بالسفر إلى المغرب لاكتشافه بأنفسهم.

ولم تكن مسيرة زينب خالية من العقبات، فإذا كانت هجرتها إلى البرازيل قد أوقفت دراستها في إدارة الأعمال، فإنها لم تتوقف أبدا عن التعلم، حيث خاضت، إلى جانب زوجها، رجل الأعمال، مجال المحاسبة ومجالات أخرى، ما جعل من هذه التجربة نقطة انطلاق جديدة لها.

وجدت زينب في المطبخ ملاذها، ووسيلة لإعادة الاتصال بجذورها مع البقاء قريبة من أسرتها، فهي أم حريصة على أطفالها وعلى الحفاظ على التوازن العائلي.

تخدم زينب مائة زبون منتظم، لكنها اختارت عدم توسيع نشاطها أكثر من ذلك، معتبرة أن ذلك "سيستلزم تقيدم تنازلات لست مستعدة للقيام بها في الوقت الحالي".

وإذا كان معظم البرازيليين قد تعرفوا على المغرب من خلال مسلسل O Clone الذي ع رض عام 2001، فإن كأس العالم لكرة القدم غيرت الكثير من التصورات. فبعد الإنجاز التاريخي لأسود الأطلس، ازداد الاهتمام بالبلد بشكل هائل.

تقول زينب "من زاروا المغرب عادوا منبهرين، وأصبحوا يبحثون هنا عن جزء منه، خاصة من خلال مطبخه. كثيرا ما يسألني الناس إن كان هناك مطعم مغربي في برازيليا".

وفي عينها حلم يكبر.

تطمح زينب إلى جعل العمل الذي تقوم به أكثر من مجرد خدمة لطلبات الطعام، بل مكانا للانغماس في تجربة الطعام المغربي وقيم التشارك التي تتميز بها.

وأكدت أن حلمها يتمثل في افتتاح مطعم مغربي في البرازيل، ورؤية منتجاتنا تباع هنا، فالبرازيليون يعشقون المغرب وتراثه، ويجب علينا أن نحافظ عليه.